حرب ودماء وفساد وحوثي وإخوان، وساسة بلهاء وأحزاب تائهة، مضاف لذلك حقد وغباء وغرور، ملخص للسوء الذي تمتلئ به حياة اليمني خلال هذه الفترة من تاريخه، وكأن الله قد جمع كل أخطائنا ومعاصينا عبر العصور القديمة والحديثة ليصب علينا الجزاء المستحق جراء ما اقترفه اليمنيون عبر الدهر، وليكن جيلنا هو من يدفع ثمن تلك الخطايا ويتحمل عذابات السنين نظراً لاستمرارنا في ارتكاب الأخطاء بحق أنفسنا، وكأن ذاكرتنا مثقوبة وقلوبنا غُلف لم تعد تستشعر الألم خصوصا وأن العقل متبلد جراء الأهوال التي شاهدها.
نتجرع بمرارة العلقم كذبات الحوثي ولا نعمل شيئا لوقف هذا السم الزعاف الذي يخلطونه بالدين، ويضيفون عليه توابل البطولات البوليودية ليستثيروا حماسة الأطفال ومراهقة الشباب ويرسلوهم للمحارق، لتستمر الحركة العبثية والطبقة السلالية في الانتقام، ويستمر الشعب في تجرعه، وتتطور آلة الكذب والدعاية الحوثية التي أصبحت محترفة في الموت ومبدعة في تزيين صناديق القتلى، مصيبة عظمى وفكر لعين لجماعة عشقت اللعن مضياً على نهج مؤسسها وقائدها الملعون.
وفي الجهة المقابلة لا يختلف الحال عما هو عليه في صنعاء، فالمواطن مذهول من حالة النفاق التي يرى حماة "العقيدة" يمضون عليها في مارب، ويتعجب لكمية الفجور والخيانة التي يتعاملون بها في تعز، فهناك جماعة حولت الدين لعلامة تجارية تخصهم، والإيمان لا يكتمل إلا باتباعهم، والوطنية لا وجود لها في غيرهم، هم الصوت الحق، والقول الفصل، والوطن الجميل، وهم أتباع المرشد، نهاب الثروة، تعرفهم حين تعاشرهم بأنهم إمعات، وتعرف حين تعاديهم أنهم قتلة محترفون، يسمون أنفسهم زوراً بالإصلاح وهم حاملو مشعل الفساد، لمس المواطن إرهابهم في مارب، وذاق خيانتهم في جبهات تعز، ولعن دولتهم في حفر "العبر"، وفاحت ريحة فسادهم في كشف أفراد الجيش كما قال وزير دفاعهم.
يمضي المواطن اليمني كمن يتخبطه الشيطان من المس، فجماعات الإسلام السياسي "حوثي وإخواني" أذاقوه سوء العذاب، وسوء الخاتمة والمنقلب، يفر منهم لعله يجد طرفا عاقلا يتفهم معاناته ويلبي تطلعاته فيعلق في شراك الأحزاب المتبقية ومنظريها العالقين في مرحلة ما لا يستطيعون مغادرتها، فالاشتراكي يعيش لحظة حرب 94 وهمه الكبير التنظير ضد "الوحدة" متناسياً أننا في 2019 يعني في عام بات الحديث عن الوحدة سخفاً لأننا نحتاج لتوحيد الأسرة قبل الدولة، ويتناسى أن اليمن لم يعد موجوداً، فقد تسرب من بين يد الجميع وبات اشتاتا، وكذلك المؤتمر الذي تناسى أنه يتشظى وبات في حضن هادي والمنفى ومن تبقى يرزح تحت صولجان الحوثي الجاثم على نفسه، إلا أننا نسمع الشطحات من هنا وهناك، ما زال البعض يتحدث بلسان الدولة القوية والوحدة أو الموت وهو عاجز كل العجز عن العودة لمنزله في صنعاء، عاجز عن توحيد أجنحة حزبه..
وهكذا تستمر معاناة المواطن المصاب في كل جسده وفكره وقلبه وحلمه، فلا الدين بقي دينا، ولا الوطن ما زال كما هو، ولا أمل في الخلاص القريب.. فقط نعيش كما أسلفت حالة من العذاب الإلهي لأخطائنا المرتكبة بالتصفيق أو المناكفات والحقد أو الخنوع للكهنوت والاستسلام له، ولن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.