في صنعاء سلم نفسك للمعاناة دون تردد فلن تجد شيئاً غيرها، لا شيء حولك سوى الأسى، في عيون المارة حسرة لا تعرف أسبابها، وفي أحاديثهم آهات تكشف جراح الحياة التي جعلت الحديث بريحة الألم والدم والقهر.
في صنعاء تختفي معالم الحياة، ويطل الموت برأسه من الشرفات وتفاجئك شعاراته في كل زقاق، وإن كنت أعمى ستصم أيضاً من زوامل الموت المنتشرة في الجولات بل والمساجد، وفوق سيارات تجوب الشوارع بحثاً عن أذن نظيفة كي تلوثها بكلمات التمجيد لشخص يعشق الدم ويتلذذ بمناظر أشلاء أبناء اليمن محترقة وممزقة في الجبهات في سبيل مشروعه المجتر من الماضي والقائم على خرافة لا أساس لها.
في مدينة سام، التي تخلى عنها أبناء الشمال، وساسة البلاد الذين طالما ظلموا المدن الأخرى وهم محتمون بصنعاء، في هذه المدينة العتيقة، يتجلى الموت كل يوم في أبهى وأقذر صوره أيضاً.. يقف سكانها طوابير أمام "سبيل الماء" ويتحلقون حول "دينات الغاز" تشوي جلودهم الشمس، كما تشوي كرامتهم عنجهيات أي "غر" حوثي صغير، حين يقفز من فوق العجائز والأطفال ليأخذ ما أراد أولاً، ولا يخلو الأمر من أن يكيل الشتم والتهديد والوعيد لمن يعترض طريقه أو يهمس لمن بجواره منتقداً هكذا تصرفاً أرعن.
لا جدوى من الشكوى، فالأحزاب باعت صنعاء، ودول النفوذ العالمي تقف إلى جوار من يغتصب هذه المدينة ويسوم ساكنيها سوء العذاب والذل والقهر، هكذا يفكر الجميع بأن لا جدوى، ليس استسلاماً، لكن قد نقول هول الصدمة التي يعانيها الشعب ربما ما زال يؤثر على الناس!!
يعشق الحوثيون وأعوانهم رؤية المواطن في أسوأ حالته، ليسقط مغشياً عليه جوعاً وعطشاً وقهراً، ولو تم إسعافه لأي "خرابة" مستشفى حكومية، يقرأ أهله الفاتحة عليه مقدماً، وينطلق البعض منهم للبحث عن خيط للرقاع، ولصقة وشاش للضماد، فالمستشفيات لا توفر شيئاً في ظل الحكم الحوثي العفن، فقط توفر لك الموت بأنواع متعددة! وفوق الألم والمرض لا يخلو الأمر من تدخل "غر" حوثي تم تنصيبه مشرفاً ومندوباً كما يقال لمتابعة "قتلى وجرحى" المجاهدين، وفي الحقيقة أن دور هذا الغر هو التدخل والاستفزاز في ما لا يعنيه، بل وعرقلة أي جهد إنساني للبحث حتى عن سرير للمريض!!
كم سنتحدث عن صنعاء المتوشحة بالسواد، والمليئة بالدمع، والغارقة في الهم، والممزقة من الداخل، عن صنعاء التي لم تعد تلك البهية التي نعرفها، فالحياة تغادرها، والبسمة والروح المرحة لساكنيها تنتهي شيئاً فشيئاً، والحزن والموت يهبط عليها ويجثم الحوثي بظلماته وظلمه على صدرها ولا بارقة أمل تلوح في الأفق لخلاصها وتخليص ساكنيها قبل أن يتم تحويلهم لأشباح ومصاصي دماء يعشقون الموت ويكرهون الحياة في ظل ثقافة الموت المتربصة بهم كباراً وصغاراً.