معذرة إن وردت في هذا المنشور أو المقال كلمات لم أتعود على ذكرها، فأنا مجبر على الدخول من بابين: «مخاطبة الناس بما يفهمون» و«تسمية الأشياء بمسمياتها».
إن أنسى وأنسى وأنسى وأفقد الذاكرة فلن أنسى ربيع النكاح العربي الذي أصاب عدداً من البلدان العربية ومن بينها بلادي اليمن التي تعتبر أشد المتأثرين بهذا الربيع اللعين الذي دمرها وجعلها شذر مذر بين متطرفي الجماعات الإسلامية والساسة العاجزين الذين لا يجيدون سوى البكاء ولا يقدمون سوى الإحباط ولا يبرعون إلا في الدسائس ويعشقون حد الثمالة المناكفات والفساد.
ذاك الربيع الذي تحولت فيه بلادنا إلى واحة خصبة للانتقام البيني، وشكل الفرصة الأفضل لعودة الماضي الخرافي الذي يتم اجتراره من توهمات تنكرها الحقيقة والمنطق والعقل، ربيع أفرز لنا أصواتا مشدودة لذاك الماضي غير المعروف تحت مسميات الخلافة أو الولاية، وبسببه مزجت أحلامنا وتطلعاتنا بالدم النازف منا ومن كل شبر في وطننا لترسم الجماعات الدينية والانتهازية لوحة تتمدد إلى اليوم بلون واحد أسود حالك وخلفية الدم الحمراء.
من نتاج ربيع النكاح والسنوات التي جاءت من بعده عرف الشعب كل أنواع النكاح الذي لا يمكن أن ينتج عنه خير، فهو نطفة سيئة نجسة، ورجس من عمل الإخوان والخمينية، قدم فيه الساسة والأحزاب الشعب هدية لأولئك السيئين يرتكبون في حقه كل الرزايا، فاستحق الساسة الموجودون على الساحة أن يكونوا "قوادين" بامتياز، يبيعون عرضهم المتمثل في الشعب والحرية والكرامة وقبل ذلك الوطن ونظامه الجمهوري ليحصلوا على المال، في تشابه تام مع عمل القوادين.
وها نحن بعد ثماني سنوات على "ربيع النكاح" لم نقطف إلا الألم والقهر والموت، ولم نر أي زرع ينبت سوى مزارع الفتن التي تنقيها الجماعات المتطرفة "جماعات الإسلام السياسي" والساسة الفاشلون من الأعشاب الطفيلية فكرا كانت أو فلسفة، آدابا أم علوما. ابتكارات كانت أم إبداعا، أشعارا كانت أم رسوما، موسيقى كانت أم طربا ورقصا، مسرحا كانت أم سينما... كلها أعشاب طفيلية مضرّة بمزارع الربيع العربي، وبالتالي وجب مقاومتها والقضاء عليها وعلى آثارها حالا في قواميسهم ونواميسهم ووفروا لإبادتها سلاحاً ومليشيات ومعاجم وكتبا وكتيبات ومطويات صفراء خجلا من معرتها وعورتها ما جعل محاصيلهم وفيرة تقيهم «عذاب القبر» وتمنجهم الحق الحصري في امتلاك الجنة وتوزيع درجاتها من الفردوس حتى أقل درجة بين أعضاء ومنتسبي جماعات التطرف القادمة بعد هذا الربيع، وتفتح لهم الطريق إلى الجنة، وتقيم لهم مراكز تكوين مهني في النكاح لنكاح جواريها الحور ـ فكل صريع منهم وكل قاتل مأجور منتم لهم هو شهيد له الجنة وجزاؤه الحوريات ما دام قدم روحه في سبيل مشاريعهم.
هذا باحتصار شديد هو حال اليمني واليمن بعد ربيع النكاح العربي، الذي أضاع معالم الدولة واغتال آمال الناس في الحياة الهادئة المستقرة، ورمى بهم إلى ثقب أسود متسع يلتهم أرواحهم ومستقبلهم.
أما عن حال الأمة المنكوحة لا تسأل بأي ذنب نُكحت؟ ولا عن ضحك الأمم لعورتها العارية، ولا عن قوم الناكحين الكثر، فلن تجد الجواب، ما دام التشرذم هو العنوان الأبرز وما دام تعويلهم على الحماية الغربية لتأمين سيادتهم المنتهكة من قبل نظام الخميني الذي خرب وما زال يخرب في أكثر من وطن عربي.
ولن تقوم لنا قائمة كعرب ما دام العقل الجمعي للشعوب يفكر أن الدعم الخميني مقتصر على المليشيات الشيعية، متناسين أنه كان أول الداعمين لجماعة الإخوان الإرهابية التي تلتقي معه في عدد كبير من المخططات وما التقارب الإيراني القطري إلا دليل واضح الرعاية الكبيرة التي يقدمونها لطرفي الربيع بشقيه "الشيعي - الإخواني"، الذي أثبت الواقع أنهم كبذرة شرة ونطفة نكاح شيطانية لم يأتونا من وراء البحار والصحارى حمائمَ بيضاء، وإنما جاؤوا من وراء التاريخ الذي يتوهمون أنه لصالحهم وحوشا ضارية.