التزكية المطلقة لأسلافنا هي أسلوب فيه قدر عظيم من المغالات والمغالطة، وهو سلوك غير معتدل لأنه في صميمه ولبه لا يتجاوز أن يكون ردة فعل لإشكال سياسي أُلبِس صيغة دينية ليمتلك مصداقية تجعله بعيداً كل البعد عن المساءلة أو المراجعة والنقد.
أتساءل بعد كل تلك الهالة التي صنعوها لنا وصوروا فيها أن مجرد نقد أو مناقشة أي شيء صادر من (المقدسين قديماً أو حديثاً) يعد تطاولاً ونوعا من أنواع السفه، وربما أصبحنا على حافة الكفر البواح، لذا أتساءل دوماً هل إذا ما ناقشت قراراً سياسياً اتخذه صحابي ما أو شخصية تؤلهها إحدى جماعات الإسلام السياسي بشقيه (الشيعي، السني) هل أكون بذلك قد قللت من قيمته؟!! إن هذا الأمر الذي اشرت اليه الآن مع جعل ذلك السلف هو المثل الأعلى بحيثيات تشعرنا نحن الأتباع باستحالة الوصول إليهم أو تجاوزهم هو أحد الإعاقات أمامنا لصناعة واقع مطمئن.
لهذا، فطبيعة حكم الخلفاء هو اجتهاد إنساني تحكمه الظروف والمصالح، ومن يعمل جاهداً لاستدعائه قصد التطبيق حالياً أحمق.
فلو كان هناك نظام سياسي إسلامي واضح لكان من الطبيعي أن يطبقه هؤلاء السلف دون اجتهاد ومتاعب وخلافات وتنازع واقتتال كونهم هم من شربوا من النبع النبوي مباشرة، وعليه فإن موضوع (الخلافة أو الولاية) في الحقيقة هو نداء عاطفي للماضي بصوت من أنهكه الفشل وتملكته النرجسية والأوهام التي يهرب إليها ويتخيلها كحقيقة قد تنقذه من الفشل، ولو لم تكن تلك الفكرتان (الخلافة والولاية) وهماً لماذا لم تنجح أي محاولة لتطبيق الخلافة بعد الخلفاء مثلاً، علمًا ان وقائع التاريخ وكتب السيّر قد أثبتت ان تلك الخلافة نفسها لم تكن مثالية بذلك الشكل الذي تقدمه لنا المنابر اليوم، كون تلك المرحلة تخللتها انقسامات وخلافات وحروب تدل بوضوح على أن بناء الدولة حاجة إنسانية وليس هدفا دينيا.
لقد كان من الطبيعي أن يتوجه الرسول إلى بناء دولة مع تكاثر الناس حوله بالمدينة، الدولة هنا كانت حاجة طبيعية إنسانية لقضاء حاجيات الناس وحمايتهم.
أعود للسؤال الأخير عن سبب فشل كل المحاولات لبناء خلافة أو إمامة إسلامية على نهج الخلفاء أو الآل الكرام؟
والجواب هو أن أساس تلك المحاولات عبارة عن كومة أفكار وموروث مذهبي غير قابلة للتطبيق، فكرة الدولة الإسلامية الطوباوية التي يقدمها البعض على شكل أناس يذهبون للمسجد ويعودون من المسجد لم تتوفر حتى في عهد الرسول، وحين يتطرق القرآن لأمر زوجات الرسول بالحجاب كي يعرفن فلا يؤذين، هو إشارة الى انتشار ظاهرة التحرش بالمجتمع آنذاك، بمعنى أن المثالية التي يتخيلها البعض عن الدولة التي يدعون إليها على أساس إسلامي مع طرحهم لا وجود لها لا بالماضي ولا الآن ولا المستقبل.