تقاس الدول بقدرتها على التأثير وبصماتها في تغيير مجريات الأحداث بما تقوم به على أرض الواقع سياسياً واقتصادياً وثقافة اجتماعية من ثم الأثر العسكري الذي يقلب موازين المعادلات السائدة، ومن الدول التي تركت في اليمن بصمة لها في السابق والآن ومستقبلاً هي دولة الإمارات العربية المتحدة، بما قدمته في السابق من مشاريع ومساعدات تنموية لا يمكن طمسها، لأنها جلية وواضحة لا مجال لإخفائها في سد مأرب ومنتجعات تعز والمشافي والطرقات التي مولت جزءاً منها في إيمان راسخ لدى حكامها بضرورة مد يد العون لليمن واليمنيين خلال فترة الاستقرار التي عاشها الوطن إبان حكم الشهيد الزعيم الذي ربطته علاقة أخوية متميزة بالشيخ زايد، رحمة الله عليهما، وأبنائه من بعده.
وفي الوضع الراهن ومع تنوع وتعدد الانقلابات في اليمن ما بين الانقلاب الإخواني والانقلاب الحوثي، بادرت الإمارات ومن منطلق وعيها العربي والأمن الإقليمي، بمساندة الجهد العربي واليمني في إعادة الأمور إلى نصابها في هذه الجمهورية المضطربة، المتناحر أبناؤها وغير آبهين بمآلات صراعهم وتنفيذهم للأجندة الضارة باليمن خصوصاً تلك المنطلقة من خلفية دينية مذهبية ستزيد من تشظي اليمن وإطالة أمد المعاناة لشعبه الكريم، فأرسلت جندها وعتادها العسكري للقتال إلى جانب اليمنيين، متأملة في أن يكون ما جرى درساً لوقف التناحر اليمني والبعد عن الحسابات الحزبية والمصالح الشخصية الضيقة، وقدمت في سبيل ذلك دماءً زكية من جنودها لتروي أرض اليمن، وحمت بأسلحتها معظم المدن التي تم استعادتها من براثن الغول الحوثي، بعد أن أثبت الجندي الإماراتي حرفيته ومهارته وشجاعته في ميدان النزال، فكانت الإمارات الأكثر تضحية ووجوداً وتأثيراً كونها لم تعتمد على سفير "مخبر" يقيم الوضع ويحدد كيفية التعامل، بل تدخلت وفق خطة مدروسة وواضحة المعالم لمساندة اليمنيين وتمكينهم وفق ما يقرره الشعب، حتى لا تنزلق بلادهم في براثن أي جماعة دينية، ولعل هذا الأمر هو السبب في الحملات المتتالية ضد الإمارات من جماعة الإخوان المستثمرين، الذين حاولوا بشتى الطرق الانتفاع المادي من الوجود الإماراتي، لكنهم فشلوا رغم خبرتهم الكبيرة في الفساد.
ومما لا شك فيه أن الإمارات كانت الأكثر دراية بمنظومة الإخوان وتطرفها وجشعها ومتاهات الفساد التي تضلل بها الجماعة كل من ينوي فعلا إيجابيا لليمن، لذا تجد الإمارات جاهزة وثابتة أمام كل موجة تشويه وتحريض تشنها جماعة الإرهاب الإخوانية.
سيكتب التاريخ أن الإمارات حضرت عندما فرت الدولة اليمنية، وقاتل جنودها عندما تبخر جيش الإصلاح وفرقة علي محسن، بل ومعظم الجيش اليمني، وسيكتب التاريخ أن الجندي الإماراتي لبس "المعوز" و"الصماطة" اليمنية ونزل يقاتل في المحافظات الجنوبية في قمة حرارة الطقس والمعارك الملتهبة، بينما علي محسن واليدومي والقيادات الدينية الإخوانية المتطرفة وشيوخها النافذون الفاسدون يتنقلون بين الموائد في الرياض وجدة، وبينما كان الزنداني وأبناؤه يفحصون "دمهم" للتأكد من خلوهم من أي مرض ليتمكنوا من الزواج، كان الجندي الإماراتي يتبرع بدمه لإنقاذ روح مقاوم جنوبي، وآخر يروي بدمه أرض مأرب، وعندما كانت جماعة الإخوان تعد الكشوف لجيش وهمي كي تتحصل على دعم سعودي، كانت الإمارات تدرب فعلياً جيشاً حقيقياً وقوات محترفة، لإيمان أبو ظبي بأنها لن تبقى للأبد في اليمن وأن الأوطان تحمى بسواعد أبنائها أولاً وأخيراً.