في جلسة عيدية مع الأصدقاء كان الحديث الأبرز حول ما جرى في عدن، رغم أنه عيد والأفضل لنا الحديث عن أمور أخرى بعيدة عن السياسة، ولكن تلك مشيئة الله وطبيعة اليمني المتنقل بين التحليل السياسي والتنبؤ بالمستقبل كلاً وفق ما يتطلع له وحزبه أو جماعته المنتمي إليه، وطبعاً لا يخلو الأمر من النزق والأيمان المغلظة، بالإضافة لموهبة جديدة قديمة في الإنسان اليمني وهي استنتاج الغيب والتحدث به بناءً على نوعية القات طبعاً وأحيانا وفق مقتضيات المجاملة "الركزة" للشخص الموجود.
بدأ الحديث من أحد المؤتمريين الذي أظهر ما أسماه الخوف على الوحدة كأهم منجز من منجزات الشهيد الزعيم، ولابد من الحفاظ عليها فالوحدة قوة كما قال، وبدأ يسرد تحليلاته عن الوضع في جنوب اليمن وما ستؤول آليه الأمور من ظلم وتهجير وكوارث، وبإصرار عجيب مفاده أن المجلس الانتقالي سيقوم بإعلان الانفصال وتعود اليمن لحالة التشظي!!
وأما الأخر ويبدوا أنه يميل جداً للإخوان رغم أنه ليس مؤطر حزبياً ويفاخر باستقلاليته في حال نعته أحد ب (الإصلاحي)، فقد تنبأ بالويل والثبور والاقتتال البيني في جنوب اليمن، مستدلاً بأحداث يناير المشؤوم، ومتخيلاً حالة عداء تامة بين مختلف المحافظات الجنوبية، ولم ينسى طبعاً أن يذكرنا بالموقف السعودي الرافض لما حدث حد قوله، وماهي الخطوات التي سيتخذها هادي، الذي أسماه (ولي الأمر) الذي لا يجوز الخروج عليه، ونسى ما فعله حزبه وجماعة الإخوان المنضم إليها، أو المؤيد لتوجهاتها، وما هي السنة الانقلابية التي سنتها الجماعة منذ 2011، ليعود مرة أخرى ويحدثنا عن (الخطة المحكمة) التي رتبت لها كما قال الإمارات، ودور العفاشيين (خبرة طارق) كما قال فيما جرى، وينهي كلامه بالقول للأسف لم يتعلم المؤتمريين العفاشيين من الماضي وتأييدهم للحوثي فضاعت صنعاء، واليوم يفرحوا ويدعموا ما قام به المجلس الانتقالي وضاع ما تبقى من اليمن، كما قال!!!
كان لابد أن أدلي بدلوي، وأقول رأيي المزعج لهما، سألتهم "وحدة" ايش تتكلموا عنها، ردوا وحدة اليمن يا مصروع، قلت طيب وين الوطن الذي كان موحد أو نريد الحفاظ على وحدته، هل الوطن هو (الولاية) ممثلاً بالحوثي، أم الوطن يعني (الخلافة) ممثلاً بالجماعة الإخوانية، أو قصدكم الوطن هو فقط الساحل الغربي الذي لازال مهدد من الحوثيين ويقصفونه حتى حيس كل يومين!! تعالوا نلقى الوطن أولاً ونتفق من أضر بالوطن وسلبه منا ثم نتحدث عن وحدته، لم يعد لنا وطن يحتوينا كأبناء له، أصبحنا رعايا في صنعاء تحت سوط الحوثي، وفي مارب تحت أعين الأجهزة الإخوانية، وفي تعز وفق مزاجية الحشد الشعبي الإخواني والمدعو سالم، لا نمتلك وطن حتى نوحده يا أخوة.. المؤتمر غارق في التغزل بالماضي ويتفاخر بما كان ويظل يحكي قصص (كنا وكنا وكنا) ونسى ان الزمن يمر وسيخلفه وراءه للأبد غارق بتلك الأيام الخوالي، والإصلاح متوقف عند لحظة شيطانية عنوانها الحقد والشيطنة لغيرة، ومستمراً في الأعيبه الغبية والمفضوحة من خيانات وفساد، وتطرف وإرهاب، ونسى أنه أصبح عرياناً يرى اليمنيين عوراته بعد سقوط الرداء الديني الذي طالما تخفى تحته.
قد يقول قائل إن هادي يمثل الشرعية وما جرى انقلاب، كون هادي كما يردد الإخوان أخر الوحدويين، لا أدري كيف نقنع هؤلاء بأن هادي هو الداء ولم يكن يوماً الدواء، وكيف نقنعهم بأن المرحوم صالح لم يختاره للرئاسة إلا بعد أن وجد إصرار إصلاحي تجاه ذلك، ورفض المشترك لكثير من الأسماء منها علي محمد مجور، ولذا يعد هادي خيارهم وربيبهم قبل غيرهم، وأنه وإن كان فاشلا بطبعه فهم كانوا أفشل منه كونهم حاشيته وبطانته.
ولا ضير أن نرد على أسطوانة الإخوان المشروخة ونتساءل، يا ترى ماذا قدم هادي والإخوان من حوله لعدن خلال الأربع السنوات الماضية، من بعد ما حررها المقاتلين الجنوبيين بدعم وإسناد ومشاركة إماراتية؟!
ماذا قدمت حكومة معين عبدالملك لعدن من خدمات ضرورية كالكهرباء والمشتقات النفطية والمياه والصحة، الواقع يقول لا شيء، فالكهرباء قدمت مشتاقتها السعودية مجاناً، والمولدات أهدتها الإمارات، والصرف الصحي رأينا عدن تغرق في السيول التي لا تقارن أبداً بغزارة سيول صنعاء، لم يلمس المواطن في عدن أي أثر كبير لحكومة هادي حتى يفتقدها بعد التطهر منها، فالمواطن لم تتغير معاناته وحاجته وفقره إلا للأسوأ، فطوابير المحطات تظهر بين فترة وأخرى والفساد ينخر كل مؤسسات الدولة والأخونة ماضية على قدم وساق.
أما الألوية الرئاسية وما تبقى من قوات تابعة لهادي والتي يزيد عددها في عدن وما حولها عن أربعة ألوية وأكثر، يا ترى ماذا قدمت هل تقدمت بروح وطنية لتستعيد (الشرعية) وتزحف وتشارك في معركة تطهير الحديدة؟! هل تحركت للدفاع عن الضالع في المعارك الأخيرة، أم جاءت للتأمر على بعض الجبهات؟!
هل ساندت قوات الحزام الأمني والنخبة في قتالهم ضد القاعدة وداعش؟!
هل تحركوا لتأمين عدن فعليا من أي خطر إرهابي؟!
هل يمثلون كل أبناء الوطن أم فئة مناطقية محدودة وحزب معين، وهل كانت عملياتها تدار بحس وطني أم بعقلية المؤامرة التي يعيشها هادي بالذات؟!
لا أعتقد أنها قامت بأي واجب مما ذكرت، فهي مناط به أمور أخوانية أخرى، وحيل هادوية قادمة، يستفيد منهم هادي ونجليه كأسماء في الكشوف يتحصلون على ميزانية مهولة، ويحتفظون بهم لمؤامرة قادمة.. لذا لا داعي للمزايدة بما جرى، فعدن وأهلها أدرى بكيفية إدارة محافظتهم، وأما الحديث عن الوحدة والانفصال فهو سابق لأوانه قبل أن نجد الوطن الذي ضيعته هكذا معارك جانبية أبتدعها ومؤامرات حاقدة خبيثة من إنتاج الإخوان وما زالوا ماضين فيها حتى اليوم.