للتاريخ، لم تعان تعز من جماعة أو حزب أو سلطة كما عانت وتعاني من جماعة الإخوان المسلمين، أو سلطة (المقر) كما يطلق أبناء تعز على سلطة الإخوان "حزب الإصلاح" شبه المطلقة في هذه المدينة المنكوبة بفكر التطرف والحقد الإخواني، وكأن جماعة الإخوان تنتقم من إرث تعز وموروثها الثقافي المتنوع وتاريخها النضالي ورصيدها التقدمي كرائدة للحركة التقدمية ممثلة بالحزب الناصري والاشتراكي.
منذ أربع سنوات وجماعة الإخوان تستثمر معاناة تعز ودماء أبنائها، مستغلة وجود قاعدة شعبية من المتطرفين وسلطيي اللسان تتكئ عليهم للجم كل صوت ينادي برفض مشاريع الجماعة، وتصفية من يعارض نهجها الإقصائي، محولة بذلك تعز إلى إمارة إخوانية لا صوت فيها يعلو على صوت الرصاص الغادر. أربع سنوات والإصلاح يستثمر تعز لمشروعه الخاص، محولاً إياها لثقب أسود يلتهم كل دعم ومعونة يقدمها التحالف لتحرير المدينة من براثن الجماعة الكهنوتية الحوثية.
أتساءل في أحيان كثيرة، لماذا تقف القوى الوطنية عاجزة عن استكمال السيطرة على تعز؟! وفي كل مرة يكون السبب نفسه والجواب واحداً، وهو لأن جماعة الإخوان المسلمين والأجندة الموكلة إليها لا تريد ذلك، وتعرقل كل جهد يسعى لذلك، لذا يعمد الإخوان لتفريخ أجنحة عسكرية ميليشاوية خارج سيطرة الدولة، ولا تحتكم إلا لأوامر (المقر) رغم أنها محسوبة كقوة بشرية على الدولة!! كما تعمد جماعة الإخوان في تعز لاختلاق مشاكل أمنية مع كل طرف لا يتفق مع مخططها في السيطرة على المدينة، بداية برفض المحافظين وعرقلة عملهم، والاعتداء على القيادات العسكرية والأمنية غير المنتمية إليهم، وصولاً لتهجير السلفيين (كتائب أبي العباس) التي كان لها السبق في دحر الحوثيين من عدد من جبهات القتال.
لا ترى جماعة الإخوان استكمال تحرير تعز ذا أهمية لديها، فهو قد يمثل توقف تدفق الدعم المالي والعسكري لها، وستفقد المعاناة التي تتاجر بها في كل محفل، وتبتز بها أبناء تعز أنفسهم، كما لا ترى في الحوثي عدواً يستحق التصدي له ولمشروعه، رغم تشدقها بكل الشعارات المناوئة له، ورغم الذل والهوان الذي لاقته قيادات الجماعة على يد الحوثيين وما زالوا يتلقونه، ولعل المعتقل محمد قحطان دليل للإمعان الحوثي في إهانة الإخوان، إلا أن الإصلاح لم يحرك ساكناً فهو فقط يتحرك وفق أوامر الممول الخارجي للجماعتين (الإخوان، الحوثي) ويعمل على التقارب ورسم الأهداف مع الحوثيين والانطلاق كل من مكانه لتحقيق الأجندة الإيراقطرية.
في غضون شهر أو أكثر استطاعت القوات المشتركة السيطرة على مساحة جغرافية تمتد من المخا وحتى شارع صنعاء وسط مدينة الحديدة، وفي غضون أيام استطاع أبناء بيحان وعسيلان طرد الحوثيين من مناطقهم، وكذلك فعل أبناء الضالع مؤخراً، بينما جماعة الإخوان تتسمر في جبهات نهم وتعز والجوف، وتستثمر تلك الجبهات لحسابها ولا يهمها الوطن والمواطن.
بعد أربع سنوات، يكتشف اليمنيون (الحوّل) الذي تعاني منه جماعة الإخوان، وعجزها الفكري والوطني والأخلاقي في تحديد العدو الحقيقي لليمن، لذا تراها توزع تهمها على دول التحالف تارة، وعلى القوى العسكرية الوطنية تارة أخرى، مختلقة بذلك معارك جانبية تخدم الحوثيين لا سواهم، وهذا كما أسلفت ليس عبثاً أو غباءً بل تنفيذ لمخطط ترسمه الدوحة وطهران، دون أي عظة وعبرة من مغبة الاستمرار في نهج المخاتلة والخيانة، الخيانة الإخوانية التي أدت لطردهم من عدن، تدفعهم لمهاجمة ريف تعز اليوم، في إصرار عجيب لتعزيز كراهية الناس لهذه الجماعة وخلق توافق محلي وإقليمي ودولي لوأدها قبل وأد الحوثي، وهو ما سيؤدي لفقدانها تعز ومارب وكل بقعة جغرافية تعاني جور وظلم و(حوّل) الإخوان.
وكما لم يكن الحوثي العدو الأول للجماعة، لن يكون أيضاً العدو الأول لغيرها من القوى التى ستتفرغ لتخليص الشعب من جماعات الإسلام السياسي بدءاً بالإخوان كي يتحقق النصر المبين على كهنوت الحوثي.