مؤسف ما شاهدناه من اقتتال وتحشيد في أبين وعدن، وما ترتب على ذلك من نتائج مؤلمة ودامية أوجعت كل اليمنيين الذين يتوقون للخلاص من كهنوت الحوثي ويتطلعون أن تكون بوصلة الحرب فقط شمالاً لتخليص صنعاء وإعادة الأمور لنصابها ويعود كل لحجمه الطبيعي الذي على أساسه يكون له التمثيل والشراكة وشرف المشاركة في بناء اليمن، لكن ما جرى ويجري في جنوب الوطن يعكس أثر وحجم الشحن المقيت تجاه الآخر.
ما كانت الأمور ستصل إلى هذا الحد وهذا الإيلام والوجع، لولا النزعة الالغائية والاستحواذية الانتهازية للممسكين بالسلطة الشرعية، وبشكل أدق لولا ما تقوم به جماعة الإخوان في اليمن (حزب الإصلاح)، من استعداء وإقصاء لكل من لا يتبعها، هذا الإقصاء والإلغاء الذي مارسه الإصلاح، دفع بالطرف الآخر لمحاولة فرض خيارات بالقوة سواء اتفقنا معها أم لم نتفق، هناك مشكلة وكان يجب التعامل مع أسبابها بموضوعية وروح وطنية بعيدة عن عقلية التملك والاستحواذ، وكل أسباب تلك المشكلة قابلة للحل شريطة قبول المشاركة لكل اليمنيين في سلطتهم وبدون استثناء لأحد، لا شمالا و لا جنوبا، وتخطي المفاهيم التي لم تعد مناسبة والتصنيفات التي يسخر منها الجميع، بالإضافة لضرورة تجاوز عقدة 2011 والكف عن العداء والحقد والانتقام وشيطنة الآخر المخالف.
دعوة المملكة السعودية للطرفين للحوار وتأكيد وتأييد دولة الإمارات العربية المتحدة لهذا المسعى عبر وزير الشؤون الخارجية؛ يجب أن يقابل بالاستجابة حقنا للدماء وتلبية لمطالب المتضررين من التهميش والإقصاء وحفاظا على وحدة البلد، إن كانوا فعلاً محبين للوطن كما يدعون وأعني بهذا حزب الإصلاح بتياراته المختلفة (تيار علي محسن، وتيار أبين وتيار المقيمين في تركيا)، عليهم أن يقبلوا تلك الدعوة ويسارعوا إليها بصدق نية ورغبة في إخراج اليمن من دوامة الصراع التي يفتعلونها، لتتوحد الجهود نحو الهدف الأساس، ولعل تلك الدعوة تفتح باب مناقشات أوسع لمن طالهم الإنكار والتهميش قبل اندلاع الحرب وإعادة النظر في مسببات الوقوف بوجه السلطة كون الأمر لم يعد يقتصر الآن على قوى في الشمال فقط.
لا حل إلا بالقبول بالآخر، والإيمان بحقه ومشاركته فهو من أبناء اليمن وبالتأكيد يهمه رفعتها واستقرارها ولكل طريقته في ذلك الإيمان، ليس بالضرورة أن تتشابه الطرق والأساليب ما دام الهدف والغاية واحدة.
فيا عقلاء اليمن تعقلوا وأوقفوا نزيف دمكم، ويا بقايا الإخوان استوعبوا الدرس والمتغيرات بعقول منفتحة على الآخر ومؤمنة بالمساواة والتشارك، وكفوا عن التصنيفات المقيتة، وتغلبوا على حقدكم وعقدتكم التي توقفتم عندها منذ (2011) ولم تتجاوزوها للآن، اقبلوا بالآخر ليتقبلوكم ورمموا صورتكم التي صارت ظلاماً وخرابا إن كان سيفيدها الترميم، ويا كل اليمنيين من كل المشارب، لا تندبوا حظكم وتزايدوا على وحدتكم، فأنتم الآن بلا وطن، وعندما تستعيدون وطنكم اعملوا حينها على وحدته وكيفية صونها بتراض واتفاق يضمن للجميع حقوقهم، ولا تتوقعوا من الخارج أن يكونوا يمنيين أكثر منكم، فأنتم فقط الداء والدواء لمشاكل وطنكم وعزته ورفعته إن كنتم تعقلون.