محمد عبدالرحمن

محمد عبدالرحمن

صعدة لن تكون مكافأة للحوثي

Monday 09 September 2019 الساعة 09:05 am

الترويج والإسهاب في الحديث عن منح الحوثي حكماً ذاتياً في منطقة صعدة وما حولها، في إطار حل شامل للحرب في اليمن، هو حديث مسعور وترويج مشبوه يحمل خلفه أجندات يُراد لها أن تترسخ في الحالة الذهنية لدى المجتمع للقبول بها في حينها.

حتى وإن كان الحديث بهذا المنطق يتم تداوله على المستوى الشعبي وبعض الصفحات في وسائل التواصل المجتمعي كحديث لاستهلاك الوقت وتعبئة فراغات لحظية، فهو خطير ويخدم الحوثي بمنحه الغنيمة التي يسعى لها والحصول عليها كخيار أخير للقبول بتسليم صنعاء عبر التفاوض.

صعدة لا يمكن أن يتم اختزالها في ملامح وجه الحوثي، ولا يمكن تأطيرها في صوته الأجش، ولا يمكن أن يتم تبويبها عبر فكر الحوثي ومنهجه الذي يرفضه أغلب أبناء صعدة واليمن كافة.

نعم اتخذ الحوثي بعض مناطق صعدة إطاراً مكانياً لإطلاق إرهابه الفكري والعسكري على بقية مناطق صعدة ثم التوسع إلى باقي مناطق اليمن، وهذا الإطار المكاني مبرر، وذلك لأن الحوثي يستوطن منطقة مران وينتمي إليها مما ساعده على البقاء فيها والاحتماء بين جبالها وجعلها مأوى أتباعه الذين تقاطروا من بعض المناطق الشمالية.

القول إن صعدة حاضنة للحوثي وفكره هو قول غير منطقي، والقول بأن أبناء صعدة حوثيون وإرهابيون هو أيضاً غير منطقي. صعدة لا تحتضن الحوثي وفكره ولكنها مستكينة عن أي مقاومة له من داخلها لأسباب وعوامل متعلقة بالمجتمع وأيضاً متعلقة بعدم وجود من يقود ويحمل راية الانتفاضة المدروسة والمخطط لها بتنسيق مع كافة الأطراف والتشيكلات العسكرية المناهضة لمشروع الحوثي، فحالها حال صنعاء وذمار وعمران وبقية المناطق التي يسيطر عليها الحوثي وإرهابه.

قضية صعدة التي تم مناقشتها في مؤتمر الحوار الوطني، ومن الخطأ جعلها قضية الحوثي بدلاً من أن تكون قضية المجتمع في صعدة، أبناء صعدة هم الذين تحملوا العبثية الممنهجة لحياتهم، وهم الذين أجبروا على ترك منازلهم قبل أن يفجرها الحوثي، وهم الذين استجاروا بالدولة لتجيرهم من مخالب وغطرسات الحوثي.

الكلام عن قضية صعدة يجب أن يكون منصبّاً على التركيز بأن الحوثي مجرم، والقضية هي معالجة نتائج الإجرام الذي ألحقه بأبناء صعدة، لأن حرب الدولة كان موجهاً ضد الإرهاب الحوثي وليس ضد صعدة وأبنائها، رغم استخدام البعض لجانب الدولة كسلطة لها الحق في استخدام القوة وحرفها عن هدفها لإنهاء الإرهاب في مهده الأول، وهؤلاء كانوا قادة مستثمرين في الحروب يرأسهم الجنرال علي محسن و"الإخوان في اليمن" حزب الإصلاح الإرهابي..

كانت صعدة تعاني من الإرهاب المزدوج المتمثل في الإرهاب الحوثي والإرهاب المتواجد على الضفة الأخرى، الذي خدع الدولة أنه في جانبها وفي جانب الناس، لكنه في الحقيقة كان يساهم في دعم الحوثي ومساعدته ومده بالإمدادات الخاصة بالجيش، وكان الجنرال علي محسن يشرف على ذلك بنفسه وضباطه الذين ينتمون للإخوان المسلمين.

عانت صعدة من جنرالات علي محسن ومن ميليشا الحوثي، وحاولت الدولة، آنذاك، أن تحمي الناس بكل إمكانياتها ولكنها كانت تعتمد على تجار حروب ساعدوا الحوثي في الاستقواء لتزدهر تجارتهم.

واليوم ما زالت تلك الجنرالات تستخدم الحوثي وتمده بالمؤن والسلاح والمال لتستمر الحرب من أجل أن تزدهر تجارتهم واستثماراتهم، على أنهم يقفون في صف الضحية، ويتباكون ويذرفون دموع التماسيح من غرف الفنادق في الرياض، الجنرال وخلفه الإخوان لا يمكن أن يتخلوا عن الحوثي فهو شريكهم في التجارة منذ الحروب الست، والضحية أبناء صعدة وكل أبناء اليمن.

ليس كل أبناء صعدة حوثيين، هناك الكثير منهم يواجه صلف الحوثي، كما هو حال أبناء صنعاء وذمار وغيرهما من المناطق.. صعدة حالها كبقية المحافظات، ولا يجب أن ننزل عليها بالظلم بوصفها منطقة تحتضن الحوثي، فعند سقوطه في صنعاء سيسقط في عمران وذمار ثم في صعدة وتتنفس الصعداء.

ولا يمكن التسليم بمنح الحوثي حكماً ذاتياً في صعدة، باعتبارها عمقه الاستراتيجي، لكنها في نفس الوقت بيئة لا تريده ولولا استقوائه بالسلاح لما كانت مركزاً لانطلاق عملياته الإرهابية، فجوهر المحادثات الأمريكية الحوثية سيتركز على منحه صعدة وما حولها، وهو بذلك سيكون مسروراً.

يجب أن نقف مع صعدة ومع الناس فيها، لا يجب أن نسلمهم للحوثي كأحد الحلول لوقف الحرب في اليمن، الحوثي لا يتكلم بلسان أبناء صعدة ولا يحمل قضيتهم ولا يساهم في خدمتهم، إنه طرف من الأطراف التي يقف في وجهها وضدها، فلا يمكن أن نكافئه بها.

التغريبة التي يعاني منها الناس فيها بسبب الحوثي يجب أن لا تستمر، فمن يطالب بإسقاط الحوثي في صنعاء يجب أن يكون كذلك في صعدة.

عودة صعدة من مخالب الحوثي سيحمي صنعاء من عودته إليها، وسيحمي المجتمع من عودة فكره الإرهابي، لذلك لا يجب دفعه إلى صعدة ليتمركز فيها ويتموضع من جديد ويبني نفسه من جديد ثم يعود إلى غزو صنعاء من جديد وبث الإرهاب والحروب.

الحلول السياسية أو العسكرية يجب أن تكون شاملة مستوعبة المستقبل وإمكانية عودة الحروب فيه، لا حلول آنية تمنح الأطراف استراحة قصيرة ليكملوا بعدها وأد ما تبقى من هذا الشعب ومن هذه البلاد الممزقة.