نعيش في اليمن بين وطأة المتأسلمين وعجز الرئيس، وبين الأحلام المنشودة نحو مستقبل عادل وفئة مشدودة للوراء بناءً على معتقدات زائفة وعنصرية مقيتة تتخفى تحت مسميات (الولاية والخلافة)، دون أدنى مسؤولية تجاه تطلعات الشعب أو ما يضمن له يمناً عزيزاً ويجعله شعباً مكرماً.
الجمهورية اليمنية من منظور الحوثي وعقيدته لا تعدو أن تكون هي (الإمامة) وفق مفهوم الولاية لا تختلف عن الجمهورية اليمنية برؤية وأفكار (الخلافة الإخوانية)، إلا في تفصيلات جزئية غير مؤثرة... وتشترك لدرجة التطابق في أنها فاسدة.. والفساد فيها بين ظلم ونهب وعمالة وخيانات وإقصاء وعنصرية وتحريف وتأويل للمقاصد الدينية وفق الأهواء.
وكلتا الفكرتين ترتكزان حينا على الشرعية التاريخية المغلوطة وفي الأغلب على الورقة الدينية بين نسب ينسب للمصطفى وبين حام لبيضة الإسلام، على حد تعبير شيوخ البلاط من التابعين والمغدق عليهم من أي طرف كان.
النتيجة الماثلة أمامنا اليوم أننا نمتلك سلطتين في (صنعاء وشرعية الإخوان) عنوانهما الفساد لدرجة العفن. هاتان الجماعتان (الحوثي، الإخوان) لهم حاشية تضمن بقاءها بين جيش وشرطة و أثرياء ومعارضين بلهاء كل هؤلاء منعمون في خيرات الاستبداد ربما وهم مستعدون أن يحرقوا الدنيا أمام كل من يحاول سحب البساط تحت أقدامهم جراء فسادهم وإقصائيتهم وما حدث ويحدث في المحافظات الجنوبية والشرقية خير دليل على نازية الإخوان، وما ترتكبه الجماعة الحوثية في سبيل بقائها من إجرام بحق اليمن واليمنيين دليل كاف لمعرفة (شريك الإخوان).
كلتا الجماعتين تمتلكان من الانتهازيين ما لا يعد، وإن تدثر بعضهم بالشرعية وأظهر مواقف يدغدغ بها مشاعر البسطاء، رغم أنه كان وما زال أكبر مقامر بمعاناة الشعب، إلا أن الحقيقة تظهر أن أي موقف لأولئك الانتهازيين لا يتبدل إلا إذا ضمنوا عطاء أفضل من السابق، ولذا يسعون لأن يكونوا فاعلين إذا ما أحسوا بأن الامتيازات ستسحب منهم ولنا في حزب الإصلاح وناشطيه وقياداته خير دليل، وما يقوم به ثلاثي الفيسبوك (جباري والميسري والجبواني) دليل مضاف للانتهازيين وعشاق الظهور والتسلق أو الوصولية.
وهناك في بلادنا طبقة لا يعتبرون من الحاشية المقربة (الدائرة الأولى) لكنهم لظروف ما وجدوا أنفسهم منعمين، منهم من يكون حاشية لحاشية كما يقول المثل الشعبي (خدام خدام بيت الجرافي) أو نقول تابع التابعين باللغة الفقهية، يسميهم غوستاف لوبون بالمواطنين المستقرين.. وهم أيضا سلبيون أمام أي فكرة تناقش الفساد... ولا يهمهم التغيير، ويمثل هؤلاء لفيفا من بقية القبائل والمؤتمريين والاشتراكيين والناصريين ومن تبقى ممن لا يهمهم الوطن ومستقبله وارتضوا بالخنوع لإحدى الجماعتين وفق مقولة (أنا ومن بعدي الطوفان).
في الجانب المقابل نجد بقية الشعب وهم الأغلبية من المقهورين والمغلوبين على أمرهم، بينهم مثقفون عاجزون من خلال إطلاعهم على فك شفرة الاستبداد الحوثي والإخواني، وأغلب ما ينتجون هو توصيفات للوضع جلها سطحي محبط ومثبط، ولدينا داخل هذه الكومة نوع من الناس من يربط الاستبداد والإفقار والفقر بالقدر، ومنهم من لم يجد بداً من الصمت خوفاً، ومنهم من طفح به الكيل وأصبح قريباً من الجنون غير قادر أن يتعايش مع الوضع الشاذ الذي تمر به اليمن حالياً، فيشتم علانية ويطالب بوطنه المختطف على يد مليشيا الحوثي ومتطرفي الإصلاح وينادي حقوقه ويعمل بأي طريقة لاستعادتها فينتهي به الأمر أن يكون متهماً بالخيانة أو العمالة والنفاق بل بالكفر كما تقول جماعتا التطرف (الحوثي، الإخوان) ضد قوات الانتقالي والمقاومة الوطنية.
لابد أن ندرك أن نقطة الاتهام بالعمالة لا يخلو منها أي نظام أو كيان مستبد فدائماً فكرة المؤامرة على الوطن حاضرة في الخطابات والخطب، في حين لن تجد بلدا عادلاً يأتي على ذكر فكرة العمالة ويجعلها سوطا ومقصلة كما تفعل الجماعات الإسلاموية خصوصاً في اليمن، لأن الأنظمة الوطنية السوية تعمل لتحقيق غايات المواطنين وحقوقهم وتطلعاتهم فتضمن الأوطان والأنظمة الولاء والمحبة والقبول.
ما نأسف له ويحبطنا هي الجرأة الغريبة لدى المتثاقفين ووزراء (البيانات) على إصدار حلول سطحية وغير مفهومة ومسيئة لمشوار التحرر المنشود، والتجارب التي مررنا بها دليل أن الأمر لا يتوقف على حمل السلاح ضد الاستبداد الحوثي فقط ولا في رحيل النظام كما تصور (الإخوان)، الأمر متوقف على وجود مشروع وطني صادق ومخلص يطرح بلغة بسيطة ترمز لفهم صحيح للواقع، يتلقفه الأديب والممثل والمسرحي والمثقف والطالب والمزارع والجندي ويؤمنون به ويعطونه طابعاً شعبياً حتى تقف مع أصغرهم وتسأله عن وضع البلاد فلا يشتم ولا يتفلسف بل يقول لك ببساطة إن أي توجه عنصري وسلالي أو نظام ديني سيكون فاشلا، وإن الوطن فوق الجميع وللجميع، يتشارك المؤمنون بنظامه وثوابته السبتمبرية والأكتوبرية في بنائه والعيش بعدل ومساواة تحت ظلاله، أما فكرة حب تقديس سين أو صاد أو كراهيته فهي تفاهة، وإن الحوثية والإخوانية وبال ومصيبة تنتج الفقر والمرض والجوع والتخلف، وأن الحرية والهواء سيان لا حياة بدونهما.