في مقال سابق، قلت إن الحسين بن علي، رضي الله عنهما، هو رمز لكل فضيلة، وتساءلت حول (لماذا الحسين دوناً عن بقية أبناء الإمام علي نال سيرته كل هذا التثوير والاستغلال لليوم)، رغم النصح الذي قدمه له أخوه وابن عباس لعدم الخروج لكربلاء.
اليوم أكمل ما كتبته بتجرد من منظور سياسي كاجتهاد يصيب ويخطئ لا شك، وذلك لإيماني وقناعتي بأن تاريخنا ومورثنا اﻻسلامي يحتاج للنقد لنزيل اللبس والغشاوة التي تعمد المتطرفون والمستغلون وضعها ليجعلوا من الناس قطيعا يتبعهم دون تفكير في حقائق الأمر أو استنباط منطقي.
تذكر كتب السير أن الحسين وقف ضد الحسن عام الجماعة ورفض أن يتنازل الحسن، فوضعه تحت الإقامة الجبرية حتى تم التنازل لمعاوية، فالحسن كان أيضاً متمسكا بالسلطة، بمعنى أن أولاد الإمام علي، رضي الله عنهم، راسخ فيهم قناعتهما أنهما أصحاب الشرعية في الحكم دونا عن بقية الناس ويريان أحقيتهما بذلك ويقف خلفهما بني هاشم جميعا، لأنهم يرون أنهما قرابة النبي والنبوة أعلى منزلة من السلطة، يتكشف ذلك بقراءة التاريخ لاحقا وكيف كانوا يوجهون الرأي العام بالنصوص الدينية المؤولة ليثبتوا سلطتهم، كما يفعل من يدعون أنهم من نسلهم اليوم في (اليمن، العراق ولبنان) بل وفي كل مكان لا توجد به دولة وطنية، ومن ينكر أن كل صراعات التاريخ الإسلامي سببها الحكم والسلطة واهم، أو يحاول المخادعة لنفسه وغيره ليس إلا، فتاريخنا الإسلامي بعد وفاة الرسول وخليفتيه من بعده، هو تاريخ ممتلئ بالدم والقتل والغدر بسبب السلطة من مقتل الخليفة عثمان وحتى يومنا هذا الذي تتبنى فيه الجماعات الدينية المتطرفة بشقيها (الشيعي والإخواني) وتقف خلف جرائم إبادة وتصفية بغية الوصول للسلطة والحكم، لذا ومن خلال قراءة للتاريخ الإسلامي من منظور سياسي تحليلي نجد أنه مجال لإنكار سعي الحسين للسلطة عندما رفض كل التحذيرات والنصائح وأصر للخروج ومعه ذراري النبي إلى كربلاء، ولكن خذله قلة دهائه وعدم درايته بالسياسة وتقلبات الأتباع والمبايعين خصوصاً وانه انتقل لجغرافيا غير حاضنة للعصبة القبلية والأقرباء على عادة العرب في النصف الجنوبي من شبه الجزيرة العربية. فدفع ضريبة قراراته السياسية، وهذا في السياسة والسلطة متوقع فمن أخذ لنفسه بيعة في ظل حاكم مبايع كيفما اتفق، ليس أمامه إلا أن ينتصر فتسقط بيعة خصمه ويصبح حاكماً متغلبا.. أو السيف ينتظره وتثبت البيعة الأولى لخصمه.
وأعود لأسأل مرة أخرى، لماذا كل هذا التثوير والاستغلال المذهبي بل وحتى السياسي لمقتل الحسين، رضي الله عنه، رغم أنها فاجعة وقاصمة في حق الرسول، ولكن لماذا حادثة كربلاء دونا عن أحداث أخرى مثل ثورة أهل المدينة ضد الظلم والاستبداد وما حدث إجمالاً في موقعة الحرة بكربلاء التي قتل فيها منهم بالآلاف، من أهل المدينة وبني سليم وبني أسد وبني عبد الأشهل، موقعة الحرة من حيث الحجم لو كتب التاريخ بشكل عادل لكانت أضخم ذكرى من كربلاء، وأنا هنا لا أنتقص من الحسين وتضحيته فهو سيد شباب أهل الجنة لا شك في ذلك. لكننا نناقش كما قلت الجانب السياسي المجرد لشخصية الحسين وتقييمها وفق قواعد السياسة التي لا تحابي أحدا مهما علت مكانته الدينية والاجتماعية.
تقول بعض الكتب في تفسير ما جرى، آنذاك، بأن الحسن قد أيقن من فساد الناس و غلبة الأهواء فآثر حقن الدماء، وهنا إجحاف بالتعميم عن فساد الناس، أم أن النزعة والتملك والشعور بالأحقية هي نفسها التي نعاني منها اليوم ومن يخالف او يرفض تلك النزعة والشعور بالأحقية المطلقة يتم وصمه بالفساد والنفاق والمضي خلف الأهواء كما جرت عليها العادة في التوصيف منذ ذلك الحين؟!
متى يدرك المتطرفون والمغرر بهم ومن يتم تخديرهم بحكايات منسوجة مفتراة، بأن بني هاشم بشر كغيرهم وفيهم الضعف الغريزي و لا عصمة لبشر.
لا شك أن الحسين عندما ثار كان خير أهل الأرض شرفاً وعلماً وتقوى بتزكية النبي، صلى الله عليه وسلم، له.. لكن أن يذهب إلى فئة ثبت فسادهم مرتين زمن أبيه وزمن أخيه، فكيف وثق فيهم؟ خطأ فادح دفع ثمنه غاليا.
ختاماً.. يقال في أي صراع لأجل الحكم، لا تسأل عن حز الرؤوس، رحم الله السبط الثائر، ولعن الله قاتله ومن تاجر بقضيته وما زال إلى الآن يستغل مقتل سيد شباب الجنة للإيقاع بشباب الأرض وتحويلهم لحشود قتل ودمار وتثوير مذهبي، بعيدا كلياً عن مقاصد الحسين التي يفترون اليوم بأن كل هذا السوء والحقد يعبر عن تلك المقاصد، وتعليمات جد الحسين،