لو لم يكن لثورة 26 سبتمبر منجز سوى تمكين ابن الفلاح اليمني من التعليم والمناصب القيادية وفرض مساواة لا بأس بها، لكفتها وجعلت منها حدثاً مقدساً بعد عقود القهر والتخلف والعنصرية والجوع والمرض التي اتسمت بها حقبة الإمامة، والتي على ما يبدو أنها سمة ملازمة لأي حكم إمامي سلالي في اليمن، وواقعنا خير شاهد على ذلك في ظل تسلط الحوثيين.
لقد جاء نور السادس والعشرين من سبتمبر مبدداً ظلام الكهنوت، وكاسراً للتسلط، معلناً بعثاً جديداً لليمنيين، ومستنهضاً لهمتهم التي فترت جراء السلالية والتعامل الدوني من قبل الإمامة، وزرعها لبذور الشقاق والخلاف والصراع، ورعايتها للجهل والتجهيل ليكون التخلف والتمذهب والتعصب هو هدفها الأسمى، وغايتها العظمى لديمومة التسلط على رقاب اليمنيين، ولعل الإمامة بسلالتها العنصرية أو على الأقل أولئك الذين زينوا للظالمين ظلمهم، حتى لا نعم كل سلالة (الهاشميين) لعل تلك الدائرة الضيقة وفي حالة نشوة نسيت أن الشعب سوف يستفيق وينفض عنه غبار الخنوع، ويلقن ظالميه درساً لن ينسوه، ويهدم ملكهم، وهو ما كان في ثورة الشعب الخالدة في 26 سبتمبر 1962.
ولأن التاريخ يعيد نفسه، ها نحن اليوم وبعد 57 عاماً من الثورة، أو دعونا نقول 57 عاماً من تآمر فلول الإمامية وجماعة الإخوان على الثورة، وتراكم الأخطاء طيلة تلك السنوات، الأمر الذي نتج عنه تمكن الإماميين الجدد وأعوانهم من إحداث خرق عظيم في جدار الجمهورية الذي يأبى أن ينهدم، ويقاوم بصلابة رغم تكالب معاول الهدم الحوثية والإخوانية، خرق مكن الناقمين من الانتقام لحقدهم الدفين ضد اليمن وشعبه الجمهوري، فخلال خمس سنوات عجاف من وصول الحوثي إلى السلطة بانقلاب ظاهري وحقيقته (تسلم السلطة من هادي) خلال هذه السنوات الخمس سام الشعب سوء العذاب، وعمل على إعادة إنتاج الإمامة في ثوب جمهوري، مستحوذاً على كل منصب، وناهباً لكل مورد، ومدمراً لكل منجز، ومستنهضاً لكل عنصرية ورذيلة، مستعيناً بالقتلة وأرباب السوابق، متدثراً بالدين وهو كاذب منافق، راغباً في تركيع الشعب وإعادة التفرقة بين (سيد) وقبيلة، لكنه يختلف عن شخص الإمام قديماً، فكما يقال إن الإمامين يحيى ونجله أحمد كانا يعتدان بنفسيهما، ويفخرام بيمانيتهما، ولا يقبلان أن يكونا تابعين لأحد، هكذا يقال، لكن الحوثي (الإمام البشع) يفخر بأنه تابع ذليل، ويستميت لأجل إثبات عمالته، مستمداً ثقافته من إيران، وتعليماته من الخميني، ويمضي مقلداً تقليداً أعمى لنصر الله، فكان دوناً عن الدون، وصغيراً حد اللا رؤية رغم توهمه أنه كبير.. غير مدرك أن حقيقة توهماته سببها شقاق الطرف المناهض له، وضعف (الشرعية) ورئيسها، وغياب مشروع وطني جامع، يعيد خلق اصطفاف وطني ضده، ولكن.. ما أنا مؤمن به هو أن سبتمبر لن يموت، وأن الأحرار موجودون ويولدون، وغداً تتضافر الجهود ويرتب الصف لدحر عدو ثورة 26 سبتمبر ودفن مشروع الحوثية للأبد.