الحرب في اليمن اليوم لا تؤذن بزوال قريب مهما لاح في الأفق تفاهمات هنا وهناك، أو تنسيق على أعلى المستويات بين "الإخوان والحوثي" وبما ينعكس سلباً وخيانة للمقاتلين في الجبهات، لكن الحقيقة أن الأزمة اليمنية أزمة شاملة راسخة الأركان قوية البنيان. ومظاهر هذه الأزمة عديدة متنوعة متضافرة متواشجة يأخذ بعضها برقاب بعض كما يقال.
فالواقع والمشهد اليمني مشوّش يلفّه ضباب كثيف لا أحد يستطيع أن يشخّصه تشخيصا دقيقا مهما أوتي له من ذكاء ونباهة، ومهما توافر لديه من قدرة على التنبؤ والاستباق. هذه حقائق واضحة لا نعتقد أن هناك من يجادل فيها أو يماري. ومع ذلك فإنني لن أجاري المتشائمين السوداويين حين يذهبون إلى أن الوطن انتهى، واليمن يسير نحو اللا عودة بهدوء وهوان.
صحيح أننا نعيش الآن وسنعيش في المستقبل المنظور أياما صعبة ونحن في فلك حلقة دوّارة رهيبة أو دوامة عاتية أو في عين العاصفة كما يقول إعلام هذه الأيام، ولكن سوف يراجع الأمل اليائسين وسيعاود الرجاء المتشائمين آجلا أم عاجلا، شرط أن نعمل ونأمل ونشخص المشكلة الحقيقية ونلتف جميعنا لإيجاد الحل الناجع، ونعرف أن المشكلة متراكمة والأمور تبدلت، فلا نطالب بيمن 2006 ولا نتطرف للمطالبة أيضاً بيمن ما قبل تسعين، بل نشخص ونعمل ونبتكر الحل بيمن جديد يواكب متغيرات المرحلة ويحتضن كل أبنائه وفق عدالة ومواطنة متساوية ومنح للحقوق الكاملة لا ظلم ولا متنفذين، أن ندرك بأن علتنا كانت في خلط السياسة بالدين ومآسينا كانت نتيجة هذا الخلط، ولنعمل اليوم قبل الغد على تفكيك ما نتج عن هذا الخلط السيء، ونعود للطبيعة والفطرة السليمة، والتعايش المبني على الاحترام وتقبل الآخر مهما اختلف عنا ومعنا.
لزام علينا معشر اليمنيين أن نجد شخصية جامعة نلتف حولها يكون لها مشروع وطني هادف وصريح وواضح نكون جميعاً مكلفين بتنفيذه لنصل معاً لدولة نظام وقانون وعدالة ومساواة، يجب ألاّ نستسلم لليأس حتى وإن بلغت الجماعات الإسلامية المحبطة والمتسببة بهذا الدم المراق والخراب الكبير وآلتها الإعلامية وخطابها التثبيطي الاستسلامي شأنا عظيما، وأن لا ننتظر شيئا ايجابيا بل نعمل على خلقة وإيجاده في حياتنا القادمة.
إن حالة الإحباط التي يمر بها شباب اليمن اليوم تعد أمراً خطيراً واستسلاماً مخيفاً لواقع طارئ سيمر بتضحيات الشعب لإنقاذ حاضرهم ومستقبلهم، ماذا جرى لنا نحن اليمنيين؟ ماذا دهانا كشباب أن نفكر بهذه العقلية الاستسلامية الخانعة ونرى أن الواقع المفروض هو آخر مطاف الحياة؟ هل أعيتنا الحيلة والوسيلة لنتصالح مع الفوضى والواقع الطارئ صاغرين؟!! أيعقل أننا لهذه الدرجة هادنا الرعونة واستمرأناها؟!
إن أخطر من هذا الواقع الطارئ البشع الذي نعانيه منذ قرابة عشرة أعوام، هو أن نستسلم ونعتبره واقعنا وقدرنا المحتوم وأشنع من ذلك أن نعتاده ونألفه ونطبّع معه، بل ونستسلم له. إن التعود على هذا الواقع المفروض والملشنة الممنهجة والتدمير المدروس لمقومات الدولة الوطنية ومهادنته لأخطر من كل المخاوف التي تتجول في أعماقنا، أما مصيبة المصائب فهي التردّي بوعي وبغير وعي في تسويغ هذا الوضع للناس بأنه إرادة الله وقدر اليمنيين.
هذا هو التحدّي الذي يتعيّن علينا رفعه اليوم قبل الغد وألاّ نتهاون في ذلك لحظة واحدة، وإلاّ فإننا سنبكي على اللبن المسكوب حين لا ينفع بكاء ولا عويل.