محمد عبده الشجاع
من هو بطل إفشال الاتفاق هذه المرة
يُجمع الكثير من اليمنيين على أن أي اتفاق تخلفه معركة جديدة غير حاسمة في الغالب، بل إنها تفتح جراحات، وتضيف أعباء إلى المشهد السياسي والاجتماعي، والتجارب حية خلال السنوات الأخيرة، كما أن في الجعبة ما فيها منذ "سقيفة بني ساعدة" حتى آخر إمام قضت عليه ثورة 26 سبتمبر في اليمن.
هذا الإجماع في الواقع يدعو للتأمل، ويؤكد على أن القوى السياسية وغالبية اليمنيين؛ يعرفون تماما أين تكمن المشكلة! لكنهم يجهلون حلها بما يتوافق مع الجغرافيا المنهكة، والإنسان المدمَّر، سواءً في الشمال أو في الجنوب، وعلى هذا يمكن القياس وبناء المستجدات، فإذا حضرت "الأيديولوجيا" غابت الوطنية، وإذا تصدرت "المناطقية" هرم التفكير؛ ضاعت الرؤى المثبطة لزحزحة الملفات العالقة، وأصبح الحاضر هو ترحيل المشاكل وليس حلها.
هنا نحن بحاجة لسيرة عطرة نستنجد بها، ونستقوي على كل هذا الإرث الذي يعتمل في الوجدان، ويحرك العقل الباطن باتجاه تفخيخ المستقبل.
اليوم السؤال اللا أخلاقي من هو "بطل" إفشال اتفاق الرياض هذه المرة؟ وكيف سيتم فتح الثغرات واستنزاف الواقع بدلاً من ردم الحفر؟
على الجميع التخلي عن كثير من النقاط (الأوهام) لإنجاح الاتفاق في الوقت الحاضر.
أولاً: التخفيف أو الحد من رفع شعارات الانفصال غير الواعية، أو تلك التي تحمل رائحة الإقصاء إما للمكونات أو للجغرافيا المنهكة.
ثانياً: عدم الدفع بالإعلام إلى ملعب العزف على الثارات، وتحميل المستقبل إرث الماضي المليء بالصراعات.
ثالثاً: التوقف عن اجتراح الوطنية لتمرير أو لإفشال المشاريع والاتفاقات المزمع تنفيذها، من أجل تجاوز الصدمات الاجتماعية والسياسية التي حدثت بين أطراف الصراع، على اعتبار أن الوطنية واقع يلمسه الجميع، وقيمة تنعكس على المشهد برمته وليس إعلاماً ولا هشتاجات وشعارات فضفاضة.
اليوم أي فشل في زحزحة الملف اليمني، ستتحمله كل الأطراف دون استثناء، ابتداءً من السعودية إلى الإمارات إلى الشرعية والمكونات الجنوبية.
ما يحزن ويحز في النفس، ودون تفصيل ما ستكون عليه الأمور من تغييرات في هيكل الحكومة والجيش، ومنظومة الشرعية بشكل عام، هو غياب "الشمال الحوثي" في هذه الاتفاقية وعدم وضوح ما ستكون عليه "صنعاء" تباعًا.
هل سيترك الشمال يواجه مصيره ويسلم الأمر؟ أم أن هناك انفراجة غير معلومة ستكون بعد هذا الاتفاق؛ في حال نجح في إعادة البوصلة والبدء بالسير نحو إيجاد أرضية لدولة وسلطة تعمل في الشمس ومن داخل الأراضي اليمنية؟
التركة ثقيلة والمسؤولية تاريخية، والبلاد بحاجة للسلام والاستقرار أكثر من حاجتها لاستعراض العضلات، والأبطال الخالدون هم الذين يأخذون بزمام السلام والبناء وتجاوز الجراحات، وليس الذين يسعون إلى وضع العراقيل وإثخان المشهد أكثر مما هو عليه.