عصر النهضة أمامنا وليس خلفنا (لا أتذكر أين قرأت العبارة بالضبط) ولكن في الحقيقة ظلت في دماغي حتى اليوم.
قبل قرون ماضية من تسيد العرب الحضارة الإنسانية، كان الغرب متأخراً ويعيش أزمته الأصولية (نعيشها اليوم بدورنا).
وأنا هنا أتحدث عن ماضينا بطريقة إنسانية مرنة ومنصفة للذات، وليس بطريقة غوغائية تبجيلية وادعائية لمجرد المزايدة أو تعويض النقص الحضاري.
لدينا مأزقنا وبلا شك في هذا العصر، ومنذ منتصف القرن الماضي يزداد المأزق تعقيداً وتجذراً، قبل هذه العقود كان العرب قد سبقوا الإنسان الأوروبي إلى إحياء تراث العقلانية الإغريقية، فنحن من أحياه، تفاعلنا مع تراث أرسطو وسقراط وأفلاطون وابقراط، تفاعلنا بشكل أخاذ مع فلسفة العقلانية الإغريقية، وأعدنا إحياءها للبشرية، وعلى رأس من فعل الفيلسوف الكبير ابن رشد.
وفي الحقيقة لدينا تراث عظيم أيضا من المعرفة والفلسفة، ولا يمكن التنصل منه أو رفضه كلياً، وإن فعلنا فذلك ضرب من الغباء الجمعي، ومثل كل الشعوب لدينا ماض وارث نعتز به كذلك، وكان في فترات معينة وهاجاً.
قبل الإسلام كانت اليمن حضارة رائعة، قدمت مساهمات معمارية وزراعية قائمة إلى اليوم (السدود وقنوات التصريف مثال).
صحيح لم نشارك في المخترعات الحديثة، لكننا أسسنا لجزء كبير لمسيرة ظهورها، ثم قتلنا العلماء الذين أسسوا لذلك.
مزاجنا الأصولي والإرهابي المتطرف حجر عثرة أمام تقدمنا، وفي نفس الوقت، صدمتنا الحضارية التي تتكشف اليوم في مأزق الهروب والتنكر لأصولنا وثقافتنا تزيد الطين بلة.
في الغرب لن يحترموك إلا بمقدار مساهمتك الحضارية (كالصين أو اليابان) والمساهمة الحضارية لا تأتي إلا بالمعرفة العلمية فنحن وبدون شك في عصر ما بعد المعرفة.
وهنا نقطة في غاية الحساسية والأهمية، فبالرغم من أننا -كبشرية- في عصر ما بعد المعرفة إلا أن مجتمعاتنا تعيش في عصر ما قبل المعرفة.
لدينا إشكالية كبيرة وهي رفض المعرفة، ما زلنا نجادل ونرفض المعرفة العلمية الكبرى والأصيلة، ونتمسك بالغيبيات وأطروحات الكهانة القديمة.
أسرنا، مدارسنا، جامعاتنا، كل حياتنا لا تزال غيبية وغارقة في رفض المعطيات العلمية لعصر ما بعد المعرفة العلمية.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك