د. صادق القاضي
الشيعة أحرار.. والإمامة تسقط في إيران نفسها!
أخيراً.. أجبرت الانتفاضة العراقية حكومة عادل عبد المهدي، على الاستقالة، في إنجاز عظيم، يمثل حتى الآن أكبر خطوة في طريق تحرر العراق بشكل كامل ونهائي من تبعيته لنظام ولاية الفقيه في إيران.
الفضل للانتفاضة أولاً، ثم -من باب الإنصاف- للإمام السيستاني الذي كانت تدخلاته منذ بداية الانتفاضة إيجابية ومهمة في توجيه الأحداث في هذا الاتجاه الذي يخدم استقلال العراق وسيادته.
هو في الأخير رجل دين، ومع أن تدخل رجل الدين في السياسة ظاهرة مرفوضة مبدئياً، إلا أنه مقارنة بالزعامات والمرجعيات الدينية الأخرى، الشيعية والسنية، داخل العراق وخارجها، هو الأكثر رزانة، والأقل تحيزاً، ويعتبر أول مرجع شيعي يحترم الديمقراطية ويدعو إلى الدولة المدنية.
عموماً الثورة ليست بحاجة إلى مرجعية دينية، وفيما يتعلق بالشيعة، أثبتوا عملياً في العراق ولبنان، وفي إيران نفسها، أنهم كغيرهم من سكان العالم المعاصر، شبوا عن الطوق، ويرغبون بالحرية والعدالة والمساواة والمواطنة..
ينشدون الدولة المدنية، على حساب الكهنوت الذي هو في كل زمان ومكان، ليس حتى في صالح أتباع الدين أو الطائفة ذات العلاقة، بل في صالح الإمام ودائرة ضيقة من الانتهازيين والمنتفعين.
الطائفة الزيدية في اليمن، كانت وظلت وما تزال، هي أكثر الطوائف تضرراً من النعرات والنزعات الطائفية الزيدية، عبر تجربة طويلة مريرة للنظام الإمامي، الذي كان دائماً وبالاً على الجميع، حتى السلالة الهاشمية التي لم تكن مستفيدة بالضرورة من هذا النظام السلالي الهاشمي.
كان الإمام، ودائرة ضيقة من أقاربه وأعوانه، هم فقط المستفيدون من ذلك النظام الفئوي العنصري، الذي رفضته وثارت عليه، في ثورة سبتمبر 1962م، كل الفئات والعناصر في اليمن، بمن فيها الزيود والهاشميون.
وهذا ما يحدث وسيحدث مجدداً ضد الإمامة الحوثية، كما يحدث الآن في العراق ولبنان وإيران، الكهنوت يسقط في معاقله، والشرائح والطوائف الشيعية ليست أقل من غيرها تضرراً من الأنظمة الطائفية الشيعية، وتداعياتها على المستويات المحلية والإقليمية.
في العراق بشكل خاص، حتى المرجعية الشيعية متضررة من الاصطفافات الشيعية، فإذا كان لا بد للشيعة من الانقياد سياسياً لمرجعية دينية واحدة، فالأولى أن ينقادوا للإمام علي السيستاني الذي هو نظرياً المرجع الأكبر للشيعة في العالم.
يرى كثير من رجال الدين وشيعة العراق أن الأصل أن ينقاد شيعة إيران لشيعة العراق، كما كان عليه الوضع دائماً خلال التاريخ الإسلامي، على عكس ما يحدث منذ بداية الثورة الإسلامية في إيران، والحكومة الطائفية في العراق.
من وجهة النظر هذه، آن لهذا الخلل أن يحل، وأن تعود المياه لمجاريها، بدلاً من الازدواجية والانفصام المتمثلين أيضاً بانقسام المرجعية الشيعية إلى قسمين: مرجعية دينية مركزها العراق، ومرجعية سياسية مركزها إيران.!
ربما يفسر هذا من زاويته، المواقف الإيجابية لكثير من المرجعيات الشيعية في العراق، من الانتفاضة العراقية، على رأسهم الإمام السيستاني الذي دعا منذ البدء كافة الأطراف إلى تجاوز الصيغ الطائفية والعرقية للصراع السياسي، "حتى يستعيد العراقيون السيادة الكاملة على بلدهم".