أمين الوائلي
زوبعة في فنجان معركة مثقوبة: الحديدة بوابة صنعاء وليست نهم
الحديدة بوابة صنعاء وليست نهم. وحدها الجبهات تصدق أو تكذب "وحدة الصف". ما ينهي ستوكهولم قرار رسمي من القيادة العليا نفسها التي اجتمعت بعد السويد وأقرت بالإجماع الموافقة على المخرجات وأجازت الاتفاق، ولا ينهيه تصريح لمتحدث أو تغريدة في تويتر.
* أراد الحوثيون مأرب وليس نهم، مرورا بالجوف بالضرورة. خططوا وأعدوا وكانوا يحدثون بهذا علانية وليس سراً. المعركة تعبر خلال وتتناول منطقتين عسكريتين بألويتها وقوامها وعتادها.
ما حدث في نهم يجدر أن يستدعي الرد العملي الوحيد والمتوقع في مثل هذه الأحوال؛ الحساب والمساءلة وقرارات صارمة تطال المواقع العليا إزاء التهاون والتهوين والأخطاء والقصور والتقصير والاختراقات.
مأرب والجوف بقبائلها ومقاتليها وعسكرها وبإسناد التحالف برزت إلى نهم ما حال دون الانتكاسة والانهيار.
الفزعة والنجدة والهبَّة والنفير القبائلي بمعية الإسناد الجوي والمدفعي للتحالف هو ما أوقف الانهيار وحجم الأضرار وغيَّر مجرى المعركة.
لكن، بعد خمس سنوات من الحرب واللا حرب، ينبغي التوقف بجدية عند مظاهر الفشل العسكري، والتواكل والتهاون والتهوين والعبث حد الانكشاف أمام امتحان جاد من هذا النوع.
القفز على المسَلَّمات والوقائع لا يخدم الحقيقة ولا يستوفي واجب النصح والحرص والمكاشفة بالفشل في مواقعه لاستخلاص العِبر وتصويب المسار وتغيير طريقة العمل والكف عن التستر والمداراة تحت أي اعتبار.
بالأحرى فإنّ هذا أوجب ما تستوجبه "وحدة الصف"، وليس العكس، وتقتضيه نزاهة الالتزام لمعركة جامعة... المعركة المثقوبة ويتسع الخرق بالتعمية وبالاستعاضة بالنفخ الذرائعي في غبار المعنويات والمقولات الأخلاقية المخاتلة.
* ليس من مهمتي أن أتحول إلى ماسح أحذية للخيانات والخيبات باسم وحدة الصف كلما انكشف خواء ونزف اليمنيين على الملأ.
* بدون إنهاء عمل ستوكهولم في الساحل والسهل فإنّ حروب الجبال موضعية وآنية لا حرباً للحسم مع الحوثي والانقلاب.
تضحيات الجنود والمقاتلين تثمن بالإعلاء من الغاية والتحام الصفوف.
وحدها الجبهات وأقدام المقاتلين توحد الصفوف صفاً، وتمتحن المصداقية والكفاءة والشرف الوطني.
الحديدة بوابة صنعاء وليست نهم.
تغيير مواضع ومواقع في جبهة نهم تحصيل حاصل لجمود مزمن وتحريك سيعقبه جمود ما لم تقل الجبهات كافة كلمتها معاً.
الحديث عن حرب وسلام ومعارك واتفاقيات في آن معاً، يستعيد حديث كشر حجور والعود والضالع.
معركة وطنية واحدة وجبهات متعاضدة وغرفة عمليات وقيادة متحدة هو ما سيعطي للحرب قيمة المعركة الكبيرة والغائية.
* في حالة اليمن والحوثيين؛ الوضع الطبيعي الحرب وليس العكس.
يفترض أن المسألة السببية محسومة سلفاً كالقاعدة الرياضية.
لا يحتاج معهم لسبب زائد تفسر به النيران والمعارك والصراع.
لا يقال -مع الحوثيين- لماذا هناك حرب.
مثلما أنه لا يقال مع الوقود والشرارة لماذا هناك نيران وحرائق.
الانشغال بالسؤال لماذا هناك حرب (الآن)؟ لا معنى له.
وينبغي أن يكون لماذا لم تكن هناك حرب طوال هذه المدة؟
الحرب في زمن الحرب هي القاعدة وليست الاستثناء.
وسواءً في جبهات؛ مأرب الجوف صنعاء، أو صعدة حجة الحديدة تعز، أو الضالع لحج البيضاء، الحرب واحدة والجبهات جبهة واحدة. والحوثي واحد. وأنتم لا تحاربونه ما لم تكونوا كذلك.
الحرب قائمة طالما أنها لم تحسم؛ وأهدافها المعلَنة على الأقل لم تنجز، ولم تصل لغايتها، وطالما لم يطرأ ما يوجب تمديد حالة وزمن الحرب إنما من دون حرب، فبقي الحوثي يحارب هنا وهناك على انفراد بجبهات واحدة واحدة وتلتزم له الأخريات بالحياد.
هكذا جنون وعقم استراتيجي راح يتكرس ويتراكم منذ حجور وتباعاً.
منذ حجور المغدورة المخذولة أعني.
العجيب أن يقال إن الحوثيين إنما يهاجمون الآن في نهم أو الجوف ومأرب "لتحسين شروط التفاوض". (كيف يقال تبا بالانجليزي؟).
هراء كهذا تسمعه وتقرأه ولا يسعك أن لا تفكر: لماذا الذين يجب أن يموتوا ما لم يصمتوا عن الهراء لم يموتوا ولم يصمتوا؟!
الحوثي يحارب؛ لأنه يحارب، ولأنه الحوثي، ولأنها الحرب، ولأن الذين كفوا عن حربه فرطوا بشروط التفاوض كما بشروط الحرب والحسم وقعدوا يتلاعنون ويتحاربون فيما بينهم.
أو كأن هناك تفاوضاً سيلتزم له الحوثي مثلاً فهو يحسن شروطه.
أو كأن الحوثي أصلاً يلتزم بتفاوض.
ما لم تحاربوا الانقلاب والحوثي ووكلاء إيران فسوف يحاربونكم. هكذا القصة ببساطة.
عندما كانت الحرب تكتسح الحوثي في الحديدة فإن من تطوع لتحسين شروطه هم الذين أوقفوا الحرب باسم التفاوض. فكان التفاوض من حسن وضع وشروط الحوثي وليست الحرب.