النزوح ظاهرة ملازمة لكل الحروب، وغالبا ما تجري عملية النزوح من مناطق الخطر والمواجهة والنزاع إلى المناطق الآمنة والأقل خطراً، وعلى الدوام ينتقل النازحون من مناطقهم دون أن يحمل الغالب منهم إلا أقل القليل مما يحتاجون.
ولذلك تتداعى المنظمات الدولية الإنسانية لتقديم الإغاثة وتوفير السكن والغذاء والدواء والمشروبات والملابس، وطبعا بناء المخيمات التي يتم جمع النازحين فيها.
كنت منذ أشهر قد تعرضت لظاهرة النزوح المستمر من محافظات الشمال إلى مناطق الجنوب، ودعوت إلى التمييز بين نوعين من النزوح: النزوح الإنساني، وهو أمرٌ يجب أن يحظى بعناية فائقة من قبل الحكومة (الشرعية) وبالتعاون مع المنظمات الإغاثية العربية والدولية، والنزوح السياسي الذي يجري فيه حشد النازحين لأغراض التغيير الديمغرافي وإحداث الفوضى وإثارة القلاقل، بل ووصل الأمر إلى القيام بأعمال تخريبية وارتكاب جرائم، من قبل بعض النازحين.
ومنذ أيام تداول العديد من ناشطي التواصل الاجتماعي رسالة فحواها أن آلاف الأسر تنزح من مناطق مأرب والجوف باتجاه شبوة وحضرموت الجنوبيتين هرباً من تهديدات الحوثيين الذين يقول إعلام الشرعية وأنصارها إنهم يتكبدون خسائر فادحة ويهربون القهقرى من مناطق تواجدهم على نقاط التماس مع الجيش (الوطني)!
وقبلها تلقيت معلومة من أحد الأصدقاء في وادي حضرموت، عن أزمة سكن في مدن الوادي (سيئون، شبام، القطن وتريم وما جاورها من المناطق والبلدات) سببها كثافة أعداد الأسر التي نزح أفرادها من مناطق الشمال.
قال لنا الزميل إن إيجارات المنازل في وادي حضرموت تضاعفت عدة مرات بسبب وصول آلاف الأسر نازحةً من مناطق سيطرة الشرعية والحوثيين في الشمال.
الأمر الأكثر طرافة ليس كون النازحين مقتدرين ويدفعون أضعاف ما يدفعه الموظف العادي لقاء استئجار غرفة أو منزل له ولأسرته، بل إن النازحين مدججون بشتى أنواع الأسلحة ومزودون بالذخائر والمتفجرات والمقذوفات النارية المختلفة، ويستطيعون تكوين جيشٍ متكامل القوى والوحدات، خصوصاً وإن معظمهم لديهم أرقام عسكرية إما في الجيش أو في الأمن، ويتقاضون رواتب شهرية من مخصصات الجيش (الوطني) ووزارة الداخلية أو الأمنين القومي والسياسي.
نزوح المسلحين يطرح مجموعة من الأسئلة منها مثلا: كيف ينزح مقاتلون بذريعة تهديدهم وتهديد أسرهم، وممن ينتظرون الدفاع عن أرضهم وأملاكهم وأسرهم إذا لم يدافعوا عنها بأنفسهم، وهم مقاتلون محترفون كما هو حال كل مواطن شمالي؟
وإذا كان النازحون من أفراد وقيادات المؤسسة العسكرية والأمنية، فمن سيحمي المواطنين غير العسكريين ورجال الأمن؟
والأهم من هذا كيف ينزج الباحثون عن الأمان من مناطق ما يزال ساستها يتباهون بأن مناطقهم هي الحالة المثلى للأمان والتنمية والازدهار وحضور الدولة، إلى مناطق طالما تندروا عليها باتهام السلطات المحلية فيها بالتسبب بغياب الأمن وانتشار الجريمة ورداءة الخدمات وضعف حضور الدولة؟
النازحون المسلحون، ليس لهم علاقة بالجانب الإنساني الذي يطغى في الغالب على حالات النزوح، باختصار لأن المسلح لا يمكن أن يهرب من الحرب، وإذا ما هرب فينبغي انتزاع سلاحه منه ومنحه لمن يقاتل بدلا عنه، أما إذا كان عسكريا أو رجل أمن فتنبغي محاكمته فوراً وفقاً لكل قوانين الخدمة في المؤسسات العسكرية في العالم.
ظاهرة النازحين المسلحين من الشمال إلى الجنوب هي ظاهرة سياسية بكل معنى الكلمة، وعندما يأتي النازحون من مناطق الشمال التي تحتاجهم لمواجهة الأعداء، إلى مناطق الجنوب التي تعرضت للغزو والاجتياح من قبل القوات القادمة من مناطق النازحين وما تزال عشرات الألوية الغازية تربض على مقربة من مناطق استقرار النازحين فإن اللوحة تبدو مكتملة الوضوح، وهي أن النازحين ليسوا سوى قوة إضافية مكملة للقوات التي أنجزت الغزو الأول وتربض على الأرض التي غزتها منذ ربع قرن ولا توجد نية لنقلها لمواجهة الأعداء (الانقلابيين) حتى لو أعاد هؤلاء (الانقلابيون) اجتياح كل مساحة الشمال.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك