خمس سنوات من سقوط الدولة وانفراد جماعة الحوثي باليمنيين تذيقهم صنوف العذاب والويلات، وتشظي المجتمع وأصبح لليمن حدود داخلية من الصعب أن يسافر مواطن من مدينة إلى أخرى دون عرقلة أو توقيف أو منع أو اختطاف من وسط الطريق، أو اغتيال أثناء العبور، وأصبحت الحواجز الاجتماعية تعيق النظر إلى الآخر بصورة مجردة، لقد تحولت بلادنا إلى معتقل كبير، لم يسبق للتاريخ أن شهد مثيلاً له وللفظاعات التي تحدث بداخله.
وكأي حرب لا بد من طرفين يتقاتلان أو أكثر، والحرب في اليمن لها طرفان الأول جماعة "الحوثي" دينية بأفكار مستوردة، وسيلتها السلاح والتعذيب والتهجير والتفجير، تدعمها جماعة دينية أخرى "الإخوان" تستخدم نفس الأسلوب والوسائل، والطرف الثاني هو المجتمع، وعلى الرغم أنه الضحية إلا أنه في نفس الوقت يقاوم ويقاتل، رغم ضرب الجلاد وبطشه إلا أنه مجتمع يرفض أن يستسلم.
تخوض جماعة الحوثي حربها ضد اليمنيين بكل وحشية، تفجير البيوت وخطف الناس، وقتل المعارضين، ونهب الممتلكات، ورغم أن العالم يدرك أن الحوثي هو الجلاد والناس هم الضحية، إلا أن مصالح بعض الدول والأشخاص تطغى فوق مظلومية دماء اليمنيين وبيوتهم المدمرة، يستغفل العالم أن الشعب هو الضحية وخنجر العذاب يمزق الجسد كالذبيحة.
ينظر الحوثي إلى حربه ضد اليمنيين من زاوية التقديس، لذلك يفرط في غيّه وبطشه، ليس هناك من يدرك حقيقة أن ليس هناك غير الضحية طرف تحاول أن تقاوم، وليس هناك حرب يخوضها الحوثي غير حربه ضد اليمنيين، هتك أعراض النساء واعتقال الأبرياء، سلب الحرية، وهتك الكرامة، وتقييد الثقافة، وتغييب الوعي، وبيع الأرض والثروة والسيادة، كلها اعتداءات حوثية فقأت عين المجتمع.
التفاوض الذي يتم الترويج له في هذه الأيام مع الحوثي، يجب أن يكون حوارا مع المجتمع اليمني يقاوم في الداخل ويرفض الاستسلام، ليس هناك أي شرعية لأي طرف لا يتواجد في الخطوط الأولى للمقاومة في التفاوض مع الحوثي، ولا يحق لأي طرف أن يتنازل عن مبادئ المقاومة التي من أجلها قدم اليمنيون آلاف الشهداء في سبيلها، ولا يحق لأي طرف هرب من المعركة وغادر أرض اليمن أن يتحدث باسم الشعب اليمني.
الحوار الحقيقي هو مع الشعب الذي يمتلك الحق في المقاومة والتفاوض، والذي هو الضحية في نفس الوقت، أما من يحاول أن يبيع اليمنيين عبيداً للحوثي ويشرعن له البقاء والسلطة والحكم فهو خائن وواهم، لا يمكن لأحد أن يبيع دماء الشهداء وتضحيات الناس.
ومن يعتقد أنه قد ضمن لنفسه الثروة والمال وأصبح يعيش في أفخر فنادق العالم، ويريد أن يبيع اليمنيين وتضحياتهم للولاية الحوثية عبر التفاوض هو سخيف في اعتقاده، ويعيش الخيالات في النجاة من يد الشعب التي ستطاله عاجلاً أو آجلاً.. "هي دماء أبرياء وليست مرق".
من يرد أن يتفاوض مع الحوثي فعليه أن يستمد شرعيته من الناس، شرعية دمائهم، وبيوتهم المدمرة، شرعية الأسرى والمختطفين، شرعية المخفيين، شرعية الأمهات الثكالى، والأطفال اليتامى، شرعية الجرحى التي لا تزال جراحهم تنزف، شرعية البنادق التي لا تزال في مقدمة صفوف المعركة، شرعية المساجد التي فُجرت، وشرعية الجوعى التي سُرق رغيف خبزها، شرعية الأحلام والمستقبل الذي يحاولون سرقته.
الحوار الذي يستمد شرعيته من المقاتلين في الميدان ومبادئ دمائها، هي التي ستخضع الحوثي، وإن رفض الخضوع عادت إلى بنادقها لقتاله، أما الحوار الذي يستمد شرعيته من فنادق تركيا والرياض والدوحة هو حوار لبيع دماء الشهداء وحرية الناس، حوار لإخضاع المجتمع والاستسلام للحوثي، لذلك لا شرعية لأي حوار يستمد شرعيته من شرفة الفنادق.