محمد عبدالرحمن
موائد اليمنيين في رمضان.. أوجاع متناثرة وأحلام قتلتها الحرب
بعد أن كان الشهر الفضيل يأتي وقد احتفل اليمنيون بقدومه بفرحة وروحانية، يأتي هذه المرة وخلال فترة الحرب واليمنيون غارقون في الوجع والألم، يتحسسون بعضهم مخافة أن ينقص المزيد منهم، موائد الإفطار بعد أن كانت تحتضن كل العائلة، أصبحت مبتورة وغير مكتملة، ينقصها إما الأسير أو المعتقل أو القتيل أو البعيد الذي عجز عن العودة إلى أهله ومائدة رمضان.
هي الحرب تأكل اليمنيين بشهية تجارها وقوّادها الفاسدون، أفسدت روحانية الشهر الفضيل وأغرقته في أوجاع الناس وأتراحهم، وأسكنت في قلوبهم الذكريات والأمنيات الضائعه، وصور الراحلين الذين جرفتهم موجة القتال والخراب، ورسائل العالقين في الغربة، وتناجي الحفظ والصون بين المقاتلين في الجبهات وذويهم وبيوتهم الحزينة، الحرب أفسدت رمضان وكسرته في تسابيح الثناء إلى تسابيح الرجاء والرحمة.
طقوس رمضان الدينية والاجتماعية التي يمارسها الناس خفت بريقها وصوتها، وتحولت إلى مراثٍ وندوب، طقوس هزيلة بلا معنى في ظل الحرب، حتى وإن حاول البعض أن يتمظهر بها، لكن أفئدة الناس مكسورة ومغلوبة ومقهورة، وضع معيشي صعب ومأساوي، ارتفاع الأسعار في ظل انقطاع الرواتب ضاعف من موت تلك الطقوس الروحانية، لا أحد يستطيع ممارسة الطقوس وإن كانت دينية وأولاده جائعون.
كان رمضان يهل على اليمنيين وهم في غمرة نشوتهم الروحانية، متأهبين لزيادة الطاعات دون الانغماس الكبير في البحث عن ضروريات الأكل والشرب، كان ذلك في وقت وجود الدولة والرواتب، والأعمال المتوفرة نوعاً ما، وفي ظل وجود البطالة أيضاً البطالة الباحثة عن عمل من غير جوع، أما اليوم فهي تبحث عن عمل من جوع، بعد أن تحول المجتمع إلى بطالة من جوع.
موائد الفقراء في رمضان وغيره من الأشهر وخلال الحرب أصبحت جافة، الحرب التهمت مصادر الرزق، وجرفت مسببات العمل، تنزوي الأسر الفقيرة في صمتها وجوعها ووجعها، يدثرها الحياء الذي يصدها عن سؤال الناس من حاجة، تحتفظ بكرامتها رغم الموت ونقص الغذاء، في نفس الوقت الذي يعرف الجميع أن الحرب لم تترك لأحد كرامة، لقد سلبت كل شيء، وأصبح الجميع عُراة وجوعى وموتى.
انقسمت الأسر اليمنية ودب فيها الحزن، أضرمت الحرب فيها نار الغربة والفقدان، هناك من تدمر منزله، وهناك من فقد أحد أفراد عائلته، وهناك من فقدهم جميعاً، وهناك من ينتظر مفقوداً ليس له أثر عدا الأمل في قلوب أهله، وهناك من يقبع خلف قضبان المعتقلات، وهناك من سحقه التعذيب في غياهب السجون، وهناك من لا يستطيع العودة بسبب الحدود بين مدينة وأخرى داخل الوطن الواحد.
رمضان لم يعد ذلك الشهر الذي يعرفه اليمنيون، تغيرت ملامحه، وطغت عليه أفكار وثقافة دخيلة على الناس جلها سياسية لا دينية، تستغل الجماعات الدينية وخاصة الجماعة الحوثية في تحويل رمضان إلى مسرح للمزايدات والمكايدات السياسية، وفرض الفكر الواحد للمذهب الواحد على بقية المذاهب بالقوة السلطوية، هذا الاستغلال المنبوذ أعاق الناس من الاستمتاع بروحانية وفضائل رمضان.
الحرب استهلكت اليمنيين في كل الجوانب، لم يعد هناك متسع للحديث عن كماليات أو روحانيات، في ظل انعدام الأساسيات الضرورية للحياة.
الحرب هي دمار وخراب ومواجع، ابتلعت الناس إلى جوفها وبدأت بطحنهم دون رحمة.