عبدالستار سيف الشميري

عبدالستار سيف الشميري

تابعنى على

أكذوبة الحياد

Wednesday 27 May 2020 الساعة 06:01 pm

قال مارتن لوثر: إن أسوأ مكان في الجحيم محجوز لأولئك الذين يبقون على الحياد في أوقات المعارك العظيمة.

إن منطق الحياد لا يليق بمثقف يدعي أنه يحمل هم الوطن وقضايا الناس.. ويعبر عنهم.

وما يسلكه بعض المثقفين والسياسيين في بلادنا اليمن من الوقوف للفرجة فقط، وتبرير عدم نقدهم وتعريتهم لأطراف الصراع نوع من الانتهازية باسم الحياد الإيجابي.

قد أتفهم المثقفين الذينَ يسكنون في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي أو جماعة الإخوان، لأن خروجهم للنقد لن يكون أمراً هيناً وسهلاً، فقد يدفعون حياتهم ثمناً لذلك، كما حصل مع الكثير من الذين حاولوا نقد جرائم الحوثي والإخوان وتم اختطافهم وتصفية بعضهم والبعض لا يزال في السجون.

إن أمثال هؤلاء يمكن أن نضع لهم الأعذار، لأننا لا ندفع الناس أن يكونوا شهداء ويذهبون إلى الهلاك، ولكن هنا أتحدث عن المثقفين الذينَ يسكنون في مناطق أخرى ولا سيّما الذينَ في خارج البلاد وهم أغلبية المثقفين هؤلاء الذينَ يلتزمون الحياد بحجة الرشد والنضج والابتعاد عن المهاترات، تخرس أقلامهم وأصواتهم وكامراتهم عن فعل شيء ولا تتجه صوب النقد والتعبير عن الشعب المكلوم.

كما أن هناك طائفة أخرى من هؤلاء وهم الانتقائيون الذين يتمترسون في ظلال أحد أطراف الصراع وينقدون آخر.

ليس من الجديد معرفة أن كارثة اليمن برمتها تقع في جماعتين دينتين هما الحوثي والإخوان.

وبعض الكتاب والناشطين الانتقائيين ينتقد الإخوان ويغفل الحوثي أملاً في خط رجعة ربما للمستقبل البعيد، ومنهم من يصنع العكس حيث ينتقد جماعة الحوثي، ويتغاضى عن جرائم الإخوان المسلمين في مناطق سيطرتهم ويلتزم الحياد تجاههم، وفي هذا وذاك مراوغة خبيثة، فالكفر ملة واحدة.

ولهيب النار والعار المتمثلة في مليشيات الحوثي والإخوان هي النار ذاتها التي اكتوى ويكتوي وسيكتوي بها اليمنيون عبر تاريخنا الحديث، وليس المجال هنا لسرد بعض جرائمهم، فقد خصصنا لذلك نصيباً وافراً من كتاباتنا الصحفية والمقابلات الإعلامية ومنشوراتِنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وما نحن بصدده هنا في هذه العجالة هو ظاهرة الحياد المزيف الذي ينتهجه البعض من النخبة اليمنية سياسية كانت أو من المثقفين، وقد لا يستغرب هذا الأمر من بعض السياسيين، ذلك أن معظم أفعال السياسة هيَ ضروب من الانتهازية والبرجماتية والتكتيك، لكن ما هو مستغرب أن يكون الحياد من حملة القلم والفكر والثقافة ومشاعل التنوير، حيث إن مهمتهم الرئيسة هي التعبير عن الناس وعن ضميرهم وإشعال مواقد الغضب وتوجيه البوصلة تجاه الجماعات الدينية برمتها دون استثناء، فالجريمةُ لا تجزأ، والمجرم مجرم والفاسد فاسد، كان إخوانياً أو حوثياً أو قاعدياً أو داعشياً فكلهم مدرسة واحدة.. ينهلون من نفس المنبع ويرتعون في ذات المرتع ويتسترون بالدين ويستخدمون الوسائل ذاتها ابتداءً من المساجد وبعض المدارس ويسعون إلى غاية واحدة هيَ غسل الأدمغة وتشويه الجيل واستخدامه كقطيع لإقامة مشاريع الخلافة والإمامة.

كما أنَ المشروع النهائي والممول واحد والمتمثل في الخبرة الإيرانية والمال القطري..

فأين هو الحياد، ماذا يعني في هذا السياق؟ سياق القتل المنظم والقضاء الكامل على وطن وشعب.

إن معركة القلم لا تقل شراسة عن معركة البارود.

وأي كاتب أو ناشط لا يسخر طاقته في معارك الوطن المصيرية هو شريك ضمني ضمن هياكل الانتقام من الوطن الذي تمارسه الجماعتان المشار إليهما.

كيف يمكن أن أقف على الحياد حين يتعلق الأمر بمسألة أن يبقى بلدي أو لا يبقى على خارطة هذا الكون، أو حين تختطف عصابة من المغامرين بلداً بأكمله باسم الدين والتمكين ليتضور الملايين من أبناء شعبنا جوعاً.

إن عمليات التعبئه وبث الوعي هي أمانة ينبغي القيام بها كأقل واجب تجاه الجيل القادم الذي هو الضحية الحقيقية لكل تفاصيل هذه الكارثة، وهم من سيدفعون الكلفة باهظة الثمن تجاه ما يرتكبه تجار الحرب وتجاه سكوتنا باسم الحياد..