بالفعل.. عندما يكون هناك جماعات تحمل في فكرها وعقيدتها مشروعا خارجيا يجب عليها أن تقيم له دعائم وقواعد في هذه البلاد، فإن كل شيء سيتحول إلى رماد، تنتهي البلاد وتتشظى وتتمزق، ويتحول المجتمع إلى حطب وزيت للحرب، تُصهر الأحلام ويُسرق الشباب بحماسهم وقلة وعيهم واندفاعهم نحو المجهول.
كشاب يصهره الألم من الداخل، ربما أكون نموذجاً لمئات الآلاف من الشباب اليمني الذي شاهد الدولة تنهار والعاصمة تُستباح، والطائرة الرئاسية التي اعتلاها صالح الصماد -مندوب الحوثي- تطير نحو طهران، لتزف البشرى لتلك العمائم السوداء أن صنعاء قد أصبحت مِلك أيمانها وإحدى جواريها التي تنفذ رغبات المرشد الخامنائي في أي وقت شاء، ورأى أصوات المكلومين تستغيث من وطأة الظلم ونشوة الظلام.
تحولت البلاد إلى مقبرة لأبنائها، اختفت ملامح اليمني واعتلى صوت المشروع الإيراني في كل مكان، في الشوارع والمساجد والمدارس والجامعات، سقط شعار الجمهورية وصعد شعار الموت والمجد للمرشد المعصوم، ذهبت عن صنعاء يمنيتها ولبست الثوب الأجنبي وحاولت أن تحتزم بالجنبية، لكنها دائماً تظهر مشوهة غريبة غير مرغوبة، مسكونة بالوحشة والسجون وبالغرباء الذين يحاولون إخفاء ملامحهم وأسمائهم.
في تلك الأثناء والسقوط والتحولات، دارت وحالت الكثير من الأسئلة المنطقية، كيف استقبلت صنعاء مشروع إيران المتطرف وكأنها كانت متلهفة لوصوله، أين اختفى مشروع اليمني الذي يبقي على يمننة صنعاء، وكيف حدث أننا لم نفكر أن لدينا مشروعنا الخاص بنا، النابع من وطنيتنا وحبنا، هل كانت الأحداث أكبر من أن نفكر ونصدح بمشروعنا الوطني، وبالأحرى هل لدينا مشروع حقيقي وطني يمني البيئة والمنبع..؟!
وعندما وصلت جماعة الإخوان إلى السلطة بعد أن أصابت الدولة بالاهتزاز والرضوض في مؤسساتها، رأيت كغيري من الشباب أن صنعاء كانت تتحول تدريجياً نحو الأتركة، وظهر المشروع التركي جلياً وواضحاً في سياسة الإخوان، كان أردوغان أقدس من هادي وكانت أنقرة أطهر من صنعاء، وكان النصب التذكاري التركي على السائلة أشرف من النصب التذكاري للجندي المجهول في السبعين.
كانت تركيا الأردوغانية في كل خطبة جمعة في مساجد صنعاء، وفي كل خطاب سياسي، وفي كل مظاهرة في الشارع، وفي كل أنشودة دينية وجهادية، تغنى الإخوان بالدولة العثمانية أكثر مما تغنوا بالدولة السبئية، واحتفلوا بعيد ميلاد أردوغان أكثر مما أحتفلوا بالمولد النبوي، تيمناً بالترك حولوا أسماء أبنائهم إردوغان وعثمان وأرطغرل، وكأن التاريخ اليمني مبتور لا أسماء له ولا قادة ولا مجد للفخار به.
ما بين المشروع الإيراني والتركي أحاول أن أقاتل من أجل مشروعي الوطني، من أجل بلادي وذاتي، كل المشاريع الأجنبية هي تخريبية، صنعاء لا يمكن لها أن تكون جميلة إلا بثوبها اليمني، ولا بد أن تخلغ ثوب إيران وتُحرق من صاغوا عليها الوصاية وقدموها جارية للمرشد، ولا يمكن لها أن ترتدي الثوب التركي، لأن ذلك يسلبها جمالها وشرعيتها وتاريخها، هي يمنية خالصة كما نحن يمانيون.
تحملت الألم والعذاب وغُربة الروح في بلادي، أكلَتْ الحرب سنوات شبابي، وها أنا اليوم أتجاوز الثلاثين من عمري عازباً وحالماً بعائلة وبيت ووطن، رافضاً الانحياز لأي مشروع أجنبي إيراني أو تركي، مقاتلاً ضد الجماعات المتطرفة والأفكار الإرهابية، وبكل ما تحمله جماعة الإخوان والحوثي من قيم الجهل والتطرف، رافضاً الانحناء لأي من هاتين الجماعتين.
من أجل مشروع وطني يرفض أغلب الشباب الانخراط والعمل مع جماعة الإخوان والحوثي، هذا الرفض يجب أن يكلل بظهور المشروع اليمني، وتتبناه قوى وطنية حقيقية لا تهادن ولا تخذل، وتقود الشباب بأحلامهم وطموحاتهم وأفكارهم نحو تحقيق المشروع، والقتال من أجله وقطع دابر القوم والجماعات التي تحمل العقيدة الإيرانية أو التركية، ورفع صوت اليمني وصوت الجمهورية.
بالقلم أو البندقية، في الحلم وفي اليقظة، في الواقع وفي الخيال، لا يجب أن نستسلم كشباب للمشاريع الإيرانية والتركية، ولا يجب أن نترك للإرهاب والتطرف الإخواني -الحوثي أن يبقى مسيطراً على حياتنا وبلادنا، نحن فقط من يستطيع مواجهة كل ما هو غير وطني، القوة كامنة فينا والحق سبيلنا، والإيمان بمشروع يمني بحت هو الهدف لتحقيق غاية واحدة من أجل بلادنا ومستقبل شعبنا، اليمن لليمنيين فكرة وعقيدة وثقافة وديناً.