محمد عبدالرحمن
أيوب الذين أماتوه بعد التوبة.. بسطاء البلاد في "بَكَّر غَبَش" يقولون ما لا يعلمون
كان الوقت صباحاً ومع أشعة الشمس، تناغم اعتيادي لسائق الباص وهو يشق الإسفلت متلفتاً يميناً وشمالاً باحثاً عن زبائن يوقفونه، والمذياع يدندن بصوت أيوب متنقلاً من أغنية لأخرى، أوقفته وصعدتُ ثم جلست في الكرسي الخلفي، وفي البال هموم لا أتذكر أني انتبهت إلى صوت أيوب بسببها، لقد أقامت بين الواقع وعقلي حجاباً لا يسافر الصوت من خلاله.
بعد قليل أوقف أربعة أشخاص الباص، يبدو من هيئتهم أنهم بسطاء وغرباء عن المدينة، صعدوا وجلسوا جوار بعض، وبعد لحظات من الصمت إلا من صوت أيوب، قال أحدهم: الله ما أحلى صوت أيوب.. أنا أحب غناءه، ثم أردف: تقولوا هل عاده عايش أو قد مات؟
رد عليه صاحبه: أيوه قد مات بداية 2011م، وكان في آخر حياته مؤذن جامع في تعز، بعد حاله، ترك الغناء وتاب إلى الله.
الله يرحمه ويغفر له.. رد عليه بقية الموجودين:
"كان مسكين الله، مريض، الدولة لم تلتفت له، أهملته، والذي كان يعالجه شركة هائل سعيد أنعم على نفقتها، وتجيب له معاش شهري، وسله غذائية كل شهر إلى بيته".
نطق شخص آخر منهم قائلاً: "أنا أعرفه عندما كنت عسكري في تعز، وكان قائد اللواء يهتم بأيوب طارش، لأن أحمد علي عبدالله صالح كان يوصيه يهتم بأيوب ويدعمه، وكان يجيب له كل شهر "تعيون عذائي"، مسكين أيوب جابوا له وظيفة مسشتار ثقافي لمحافظ تعز، ومافيش معه راتب... الله يرحمه".
استمعت إلى حديثهم البيسط، أماتوا أيوب ثم أعلنوا توبته، ثم وجدوه بلا علاج إلا ما تتصدق به شركة هائل سعيد أنعم، ثم توصية قائد الحرس الجمهوري أحمد علي، ثم عرفوا أنه بدون راتب.
التدين بجهالة جعل هؤلاء الناس يعلنون توبة أيوب، لأنهم يحبونه، وإلا لما قالوا إنه تاب، لذلك ما زال صوته في المذياع يصدح بأغنية "بكر غبش" دون أن يعترض أحد، لأن الجميع يحب أن يسمع أيوب، على الرغم أن البعض يعتبر الغناء محرماً، إلا أن أيوب، لأنه يغني بالروح والوطنية.
أغلب الناس كادحون من أجل لقمة العيش، الأمية تخترق الفكر والتفكير، وتكتسح أغلبية العقل المجتمعي، كيف لهؤلاء البسطاء أن يعتقدوا بموت الفنان أيوب، وما مصدر حبكة رواية توبته، وهل الغناء محرم حتى يتوب أيوب..؟! أسئلة حيرتني وأوجعتني، حاولت أن أجد تعبيراً يكفي لأن أرد بإجابات منطقية عن هذا التسطيح في المعلومة والتفكير، لكنني ما زلت أجهل الكثير في دراسة المجتمع وطرق تفكيره.
بساطة في العيش وزهد في الحقوق، عفوية الكلام والتفكير، يعيش أغلب ابناء هذه البلاد على هذه الشاكلة التي يرفضون التخلي عنها والذهاب نحو كسر الجمود والاعتماد على الذاتية في تلقي المعلومة والجرأة على التفكير والنقد الذاتي لأسلوب الحياة المشحونة بالحروب والصراعات والانحيازات المجتمعية المتكررة لغير المجتمع.
قد يدرك بعض الباحثين أن الناس في هذه البلاد سهلة لأن يُضحك عليها باسم الدين، وهذا ما تفعله الجماعات الدينية المتطرفة، التي تستغل الدين في السيطرة على حياة الناس سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وكذلك عدم فعالية القدرة على التفكير الذاتي والنقد الذاتي وتلقي المعلومة والتمييز بين ما هو صحيح وما هو غير ذلك.