حكيم الجبلي

حكيم الجبلي

البخيتي وسائلة صنعاء: فصل مكرَّر من تاريخ الإمامة

Monday 06 July 2020 الساعة 05:24 pm

كل شيء يفعله الحوثيون، أو يمتنعون عن فعله، يقود إلى نتيجة واحدة، وهي أنهم إمامة ولا شيء آخر غير الإمامة.

إذا أخذنا نقلِّب صفحات الإمامة في تاريخ اليمن، فما أكثر ما نجد من أوضاع وأحوال وأساليب نرى فيها حاضر اليمن مع الحوثيين بالضبط.

إنهم إمامة بأكثر من طريقة، بدايةً من تمركزهم في الأجزاء الشمالية المرتفعة من البلاد، وانتهاءً باستقبالات محمد البخيتي في سائلة صنعاء للمنشقين من الضفة الأخرى.

في حقب متنوعة من التاريخ، سنجد معاودات شكلية لكثير من العناصر والأدوار وأنماط السلوك التي اشتملت عليها قصة تأسيس الهادي لدولته الزيدية. نحن بصدد ظواهر "قابلة للتكرار في شروط يسهل العثور عليها من جديد".

هناك كثرة من (آباء العتاهيات)، وينتمون إلى أنساب مختلفة، راسلوا إماما زيديا وأدخلوه صنعاء، على نحو مشابه، قليلا أو كثيرا، لمراسلة أبو العتاهية (عبدالله بن بشر) للإمام الهادي والتخطيط معه لإسقاط صنعاء أواخر القرن التاسع الميلادي. وهناك انقسام وتعدد مراكز في صنعاء وفي اليمن مشابه لانقسام وتعدد مراكز السلطة في زمن تأسيس الهادي لدولته. وهناك أوجه شبه في دورة حياة الإمامة الزيدية من الظهور إلى الضعف والتفسخ والأفول.

وهناك حالات تكرر فيها حضور لامبراطورية إسلامية أو قوة استعمارية أجنبية يعلن الإمام الزيدي الجهاد عليها: العباسيين، الأيوبيين، أو الشركس والأتراك أو الإنجليز في جنوب اليمن، وفي الوقت الحالي السعودية وتحالفها ورعاتها الدوليون.

حتى إننا نقرأ في تاريخ الإمامة مثلاً ما يذكِّرنا بملاحقة الحوثيين للعملة الجديدة من الريال اليمني: "وقد حاول الإمام عبد الله ابن حمزة (في أواخر القرن الثاني عشر الميلادي وبداية القرن الثالث عشر) أن يضفي على حركته شكل الدولة المستقرة وذلك بمنع الناس من التعامل بالعملة العباسية أو الأيوبية التي تحمل اسم خلفاء بني العباس. حيث يعتقد في أنهم قد اغتصبوا حقّه، فأصدر في سنة 601 هـ، 1204/ 1205م، الدراهم المنصورية وجعل كل درهم نصف قفلة وبعضها ثمن قفلة، غير أن الناس امتنعوا عن التعامل بها. الأمر الذي أدّى بالإمام عبدالله بن حمزة إلى كتابة منشور قرىء على الناس في المساجد والأسواق بين لهم فيه أهمية التعامل بالعملة الجديدة، إلا أن الناس ظلوا يتعاملون بالعملات العباسية والأيوبية، فلجأ الإمام إلى استخدام الشدة والعنف وألزمهم بالتعامل بعملته الجديدة. ومع ذلك كان دار ضرْب الإمام تتوقف عن سكّ العملة في كثير من الأحيان لعدم وجود الفضة الكافية لسك العملة"، (عبد الغني محمد عبد العاطي، "عوامل الصراع السياسي المذهبي الإقطاعي في اليمن بين الأيوبيين والإمام عبدالله بن حمزة 1187 - 1217م"، مجلة الإكليل أكتوبر 1987).

وكان عبدالله بن حمزة يستقطب المنشقين من القادة الأيوبيين في جنوب وغرب اليمن، ويمنحهم الألقاب ويقلدهم المناصب الرفيعة، ومنهم (سيف الإسلام حكو) الذي انشق عن الملك المعز اسماعيل بن طغتكين، فقام الإمام بن حمزة بتعيينه قائداً لجيوشه، وبعد مقتله راح الإمام يستقطب قائداً آخر هو (هلدري ابن أحمد المرواني)، ولما استجاب "سلطنه الإمام كما فعل لـ حكو ولقبه بالملك المسعود، واستمر هلدري في خدمة الإمام حوالي ثلاث سنوات، أضمر الخلاف وعاد إلى صفوف الأيوبيين"، (عبد الغني محمد عبد العاطي، مصدر سابق).

وتمرد على المعز الأيوبي قائد يُدعى (هشام الكردي)، وكذلك (شمس الخواص) الذي نجا من محاولة اغتيال بالسم قيل إن المعز يقف خلفها، وكذلك (سيف الدين سنقر) الذي كان على وشك إعلان التمرد والانشقاق لولا أن اغتيال المعز قد أوقف تفاوض سنقر مع الإمام وبالتالي عدوله عن الإنشقاق.

ألا يذكِّرنا هذا بمحمد البخيتي واستقبالاته في سائلة صنعاء للمنشقين من الضفة الأخرى، مع إن المنشقين الجدد ليسوا دائماً قادة رفيعي المستوى بل من طراز عيسى العذري، ومع فارق أن الحوثيين لا يقلِّدون المنشقين إلى صفهم مناصب عليا بل يأخذونهم في "دورات ثقافية" لتدريبهم على أداء الصرخة.