حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

البردوني بين الحقيقة والأسطورة

Tuesday 01 September 2020 الساعة 08:19 am

يشكل البردوني ظاهرة فريدة في الحياه الثقافية اليمنية.

لم يعد البردوني أديبا فقط بل تحول الى رمز وبطل شعبي يحبه الناس، وينقلون اخباره، ويتناقلون نكاته، ويزيدون عليها سنة بعد سنة حكايات جديدة خاصة حول تحديه للسلطة وسخريته منها.

سعدت جدا باحياء ذكرى البردوني، لكنني لاحظت في الكتابات الأخيرة جنوحا نحو "الأسطرة" اي إضفاء طابع اسطوري خيالي على حياته وعلى أعماله الأدبية والفكرية.

وهذا ليس في صالح البردوني ولا صالح القراء ولا صالح الحقيقة!

يمكن تقسيم التاريخ الأسطوري المصطنع حديثا للبردوني إلى مجالين رئيسيين.

المجال الأول متعلق بصورة يريد البعض ترويجها له كمثقف قيمته الأساسية في تحديه للسلطة التي لا تستطيع أن تنام خوفا وقلقا من كتاباته!

المجال الثاني للتاريخ الأسطوري المصطنع للبردوني يتعلق بالتأويل المتعسف لقصائده بطريقة تجعلها تتنبأ بكل الأحداث السياسية التي مرت بها اليمن في العقود الاخيرة من حروب وتغيرات واغتيالات واختفاء للقادة وقتل آخرين.. الخ.

في الحقيقة هناك الكثير مما يمكن ان يقال حول علاقة البردوني بالسلطة.

كان البردوني جريئا ومتحديا للسلطة في بعض الاحيان.. لكنه كان يقترب من السلطة أحيانا أخرى.

مدح البردوني الرئيس الحمدي ثم عاد وانتقده.

ومدح علي عبد الله صالح مدحا مبالغا في "اليمن الجمهوري" ثم عاد في آخر حياته وانتقد نظام صالح بقوة.

ورغم هذه العلاقة المتأرجحة الا انه لا يمكن انكار ان السلطة السابقة في اليمن رحبت بالبردوني ودعمت إبداعه.

بل ان البردوني لم يكن ينشر مقالاته إلا في صحف السلطة (صحيفه 26 سبتمبر التابعة لوزاره الدفاع، وصحيفة الثورة الرسمية، وصحيفة الوحدة الحكومية).

ونشر مقالاته في مجلات (الجيش ومعين) وهي مجلات حكومية وعسكرية.

أما النبوءات فإن "ليلى عبد اللطيف" أقدر على التنبؤ والتلفيق والتسلية من اشعار البردوني الفلسفية العميقة!

تابعت الشهادات التي قدمها "مرافقوه" وخاصة حول اعماله الضائعة ووجدتها مليئة بالتناقضات حتى في ذكر عناوين الكتب الضائعة.

كما وجدت ان تفاصيلها تزداد سنة بعد أخرى باحداث إضافية إلى درجة تجعلها بعيدة عن الأصل الذي قرأناه وسمعنا من نفس الاشخاص قبل سنوات بطريقة تجعلك تحس بحضور وتأثير "ابو هريرة" على تاريخنا الشفهي الحديث!

عبقرية البردوني ليست في تحدي السلطة ولا في تحويله إلى صورة من روبن هود أو جيفارا أو على الزيبق.

عبقرية البردوني في نبوغه الأدبي والفكري وفي الافكار الجديدة الجريئة في كل ما كتب.

الحقيقة انني احببت البردوني الحقيقي كثيرا وتابعته في مراهقتي وفي شبابي وما زلت اطالعه واعيد قراءته.

أما البردوني الاسطوري فلم أحببه. ووجدته مجرد تجميع لشخصيات مصطنعة تمت صياغتها على يد مجموعة من المهووسين بتسييس كل شيء حتى اجمل ما في الثقافة اليمنية.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك