محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد

تابعنى على

الكتابة والشفاهة ومواقع التواصل الاجتماعي

Friday 20 November 2020 الساعة 07:42 pm

تأسس العمل السياسي والحزبي في اليمن على المشافهة، والخطابة ذروتها.

لهذا كان الأقدر على التواصل مع الناس والتأثير فيهم هو الأقدر والأكفأ للقيادة.

تكوين الحزبي بُني على أساس الملخصات والانقياد، لهذا سنجد اليسار واليمين تناسل من الخطاب الشفهي، وصُنِعت قياداتهم من منطلقاته وخصائصه.

الأقدر على الإفحام هو الأقدر على القيادة، والآخر "خصم" وليس "مختلف"!

هكذا هي العقلية الشفاهية، تضمر في وعيها ومنطوقها عداء لما هو كتابي بالمعنى الإبداعي، وتنحاز للنقلي!

مثقفو ملخصات ومقولات نقلية، وأصداء لعبارات حركية ناجزة.

لا ينتجون ولا يختبرون المقولات وإنما يؤمنون بها، ويقسرون الواقع عليها.

هكذا هي "منطلقاتهم" و"أسسهم" و"طريقهم" و"غاياتهم"، و"رقائقهم" و"عوائقهم" و"صناعتهم للحياة" التي يتجه "مسارهم" وكتبهم الحركية نحو "المستقبل" الذي يبشرون به.

سنجد عائلات يسارية بقضها وقضيضها لا تجيد الكتابة وتضمر كراهية وحقدا للكتابي، يحتفون بالمشافهات فهي حقلهم ومضمار كرهم وفرهم.

ومنها يستطيعون "إفحام خصومهم" واعتلاءهم بأسنة السنتهم.

بالنسبة للقوى المحافظة (اليمينية) فلا غرابة في ذلك؛ فهي متسقة مع نسقها وحقلها الاجتماعي الإقطاعي وشبه الإقطاعي.

لكن الإشكال والمفارقة تكمن في اليسار، الذي يفترض أنه نتاج تنوير وثورة وعيا وواقعا.

مع مواقع التواصل الاجتماعي تعززت الشفاهية، وأصبح نجومها هم الحزبيون الشفاهيون.

بل إن كتابة الشفهي ومحاكاة صوته رسما ومعنى من سمات نجوم المشافهة في الزمن السيبراني.

لم تعد المسألة جدلا بين الفصيح المعاصر والمحكي وإنما نجومية المحكي بما هي طريقة تفكير شعبي ولا أقول جماهيري، بذريعة الانتماء للبيئة!

تتحول التعليقات والإعجابات والمشاركات في مواقع التواصل الاجتماعي إلى مرآة لهذه الشفاهية ورعونتها...

يكتب المثقف مقالا فيه جهد، لغة ورؤية وموقفا، مستخدما مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة للنشر، ثم سرعان ما يقع في شباك التعليقات التي تدفعه خارج الكتابة وداخل الشفاهي، فتبدو لغته في التعليقات منفعلة عارية من رصانة وعمق الكتابي.

وسرعان ما تتكالب عليه ألسنة حداد، نجوم الشفاهة؛ والشفاهة كعنف لغوي هي من تقنيات الخطاب، الذي يهدف إلى إسقاط "الخصم" ومواراة الكتابة بسيل من الهجمات الشفاهية!

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك