بعد طول انتظار وترقب، أعلِـن من الرياض عن تشكيل حكومة يمنية جديدة برئاسة معين عبدالملك وبقوام 24 حقيبة وزارية تحاصصية قيل إنها حكومة "كفاءات"، رغم أن الواضح فيها أن توازنات النفوذ واختيار المقربين من دائرة الرئيس والسفير السعودي هي التي كانت حاسمة في تحديد التشكيلة النهائية للحكومة، دون أي برامج معلنة أو متطلبات المرحلة من الإصلاح والتغيير للأداء المخيب سابقاً والذي ازدادت من خلاله مساوئ الفساد بالاستفحال، وعدت السنوات الممتدة من 2015 وحتى عام 2020، الأسوأ على الوطن والمواطن جراء عدم الإيمان الفعلي بقدسية العمل الوطني وضرورة انتشال اليمن مما يعانيه، وتحول المناصب الوزارية والإدارية لنافذة للتكسب والإثراء وتنفيذ الأجندة الحزبية والاستهدافات الانتقامية تجاه هذا المكون أو ذاك.
وبالنظر إلى الوضعية العامة التي تعيشها البلاد وما تعانيه من اختلالات على أكثر من صعيد وما ترتب على ذلك من تطلعات لتجاوز الرتابة بل وعدم الحضور وفشل الأداء، التي طبعت أداء الحكومات السابقة، فإن حدث تشكيل الحكومة الذي طال انتظاره، استأثر باهتمام مختلف الأوساط السياسية والشارع اليمني وخلف تساؤلات وعلامات استفهام تدور حول ما ستحققه هذه الحكومة من معالجات وإصلاحات تلبي التطلعات الشعبية من جهة، واولها بالطبع مغادرتها الفنادق وبلاد الاغتراب لتمارس عملها من عاصمة الدولة المؤقتة، وتنفذ ما تفرضه المرحلة منذ فترة طويلة من توجيه كل الجهود نحو استعادة الدولة وعاصمتها ومؤسساتها من مليشيا الحوثي ووقف عبث من كانوا يتحكمون بزمام الشرعية، حتى يستعيد المواطن ثقته في هذه الحكومة.
التجربة اليمنية كرّست قناعة، مؤداها أن فاعلية وتأثير أي حكومة رهينة بالإرادة السياسية وبمدى الصلاحيات التي تفوض إليها، فهل يا ترى آمنت الأحزاب اليمنية المشاركة في هذه الحكومة بأن الوطن ومصالح الشعب ومقتضيات الواقع ومتطلبات المرحلة تفرض عليهم التخلي عن أجندتهم الخاصة ومصالحهم الحزبية والشخصية، وتقديم كل الدعم الفعلي للحكومة حتى تتمكن من تنفيذ ما هو مؤمل منها تنفيذه؟ أم أن ذات الأحزاب والقيادات ولوبي المصالح سيعمل على عرقلة وإفشال الحكومة خصوصاً في ظل دخول لاعبين جدد فرضهم الواقع والإرادة الشعبية وأستطاعوا انتزاع بعض الحقائب وتجريد بعض القوى التي هيمنت وعاثت فساداً من استئثارها بالحكومة.
فما يهم المواطن هو تجاوز الأوضاع الحرجة التي يعيشها وتعاني منها البلاد، اقتصاديا واجتماعيا وإداريا منذ سنوات، أما إذا انحصر الفعل بمجرد ترتيبات سياسية، غايتها تسوية مواقع اللاعبين فقط، فإن ذلك من شأنه أن يزيد مستويات الإحباط لدى المواطن، ويزيد من الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية والإدارية المزمنة أصلا، والتي كانت دوما ضحية لطغيان وغلبة الحسابات والاعتبارات السياسية.