عند ما أشرف فخامة الرئيس عبد ربه منصور هادي بمعية سمو الأمير محمد بن سلمان وسمو الشيخ محمد بن زايد على توقيع اتفاق الرياض يوم الخامس من نوفمبر 2019م أي قبل سنة وثلاثة أشهر بين المجلس الانتقالي وحكومة فخامته، استبشر الناس -وخصوصا أبناء الجنوب- خيراً، وعلقوا آمالاً كبيرة على انفراج الأمور والذهاب باتجاه تفعيل مؤسسات الدولة وقيامها بوظائفها وأهمها معالجة ملف الخدمات وأزمة انهيار سعر العملة ووقف حرب التجويع المتمثلة بتوقيف مرتبات الموظفين الذين ليس لهم مصدر للعيش سواها، والشروع في إعادة الإعمار وإحراز نقاط تفوق على الجماعة الحوثية من خلال تحقيق حياة أكرم للمواطنين في مناطق سيطرة الشرعية.
لكن منذ الخامس من نوفمبر 2019م حتى اللحظة ما جرى كان العكس تماما، فقد ازدادت الأمور سوءًا في جميع المجالات ولا يستطيع أي امرئ الخوض في تفاصيل أي ملف إلا ويجد أن التدهور سيد الموقف ولن نخوض في التفاصيل فكلها تبرهن ما نقوله.
ولن نخوض طويلا في أية معطيات من عندنا فقد جاء تقرير فريق الخبراء المنبثق عن لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن الدولي الصادر مؤخراً ليغنينا عن آلاف الصفحات التي يمكن البرهان من خلالها على فساد الحكومات المتعاقبة دون تعرض أي لص أو سارق أو فاسد أو محتال لأى محاسبة، ومن أحلتموهم -يا فخامة الرئيس- إلى التحقيق قد منحتموهم من الترقيات ما فاقت تلك المواقع التي مارسوا خلالها فسادهم الذي فاحت روائحه في كل الأنحاء.
كل متابعي أحوال البلاد من المحبين والمحايدين والباغضين يعلمون أن هناك أطرافا لم يرق لها توقيع اتفاق الرياض وهي التي ابقت فترة التشاور والحوار يمتد أكثر من ثلاثة أشهر، ثم عطلت التنفيد 14 شهرا، وتوقع أقل الناس فراسة وفطنة أن هذه الأطراف لديها من وسائل التعطيل ما لم تستخدمه بعد.
وها هي قد شرعت في تفعيل أدواتها لكن هذه المرة ليس فقط ضد المجلس الانتقالي وشعب الجنوب، بل وضد الحكومة نفسها بما فيها من ممثلين للمعطلين أنفسهم، فالتاجر الذي يشعر بقرب خسارته لأي صفقة لا يجد حرجا أن يضحي حتى بأحد أبنائه، كي يتجنب الخسارة المتوقعة.
إن التحشيد الذي تمارسه المليشيات التابعة لأقرب مقربيكم باتجاه عدن سواء في شقرة وشبوة أو كرش والمسيمير أو في التربه وحدود الصبيحة، تؤكد أن من يحاصرونكم في قصر الناصرية يحاصرون المناطق المحررة في تلك النقاط، وهم يعدون العدة للانقضاض على اتفاق الرياض، وسيليه الانقضاض على فخامتكم، فأنتم بالنسبة لهؤلاء لستم سوى مظلة يستظلون بها وهم يمررون أجنداتهم، وقد قال قائلهم ذات يوم على مسامع الملا: نحن من أتينا بالرئيس هادي ونحن من نستطيع استبداله!!
يا فخامة الرئيس!!
لقد مضى أكثر من شهر على تشكيل الحكومة، وتوقع الناس أن هذا الجزء المهم من الاتفاق ستليه خطوات متسارعة باتجاه استكمال بقية البنود التي حدد لها اتفاق الرياض جدولا زمنيا بين اسبوعين، وشهر وستين يوما وتسعين يوما، وتوقع الناس أن لا يأتي مثل اليوم إلا وقد تم تعيين المحافظين ومدراء الأمن، وحشدت كل الألوية والقوات العسكرية من شبوة وحضرموت والمهرة باتجاه مأرب والجوف ونهم على طريق تحرير صنعاء، وعمران وصعدة والمحويت وريمة وذمار وإب والبيضاء والحديدة وبقية مديريات تعز، وكان يمكن تحقيق هذا لو أخلصت النيات، لكن مستشاريكم الذين قلما يقدمون من المشورة ما يخدم الوطن، قد أقنعوا فخامتكم بأن تعيين رئيس لمجلس الشورى ونائب عام، ونائب وزير للتربية، وغيرها من التعيينات المتوقعة، والتي تجري بمخالفة اتفاق الرياض، وعارضها الجميع بما في ذلك حزبكم، أقنعوكم إن هذه التعيينات أهم من إنقاذ قيمة الريال اليمني وحماية المال العام من نهب الناهبين وعبث العابثين.
هؤلاء المستشارون أقنعوكم بأن لعن دولة الإمارات أهم من تعيين محافظين ومدراء أمن، ومن محاسبة الفاسدين وإعادة تشكيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وهيئة مكافحة الفساد ومعالجة وضع البنك المركزي، وكلها استحقاقات تضمنها اتفاق الرياض.
وهكذا لاحظنا تلك العينة من القرارات التي تصيب النملة في مقتل لكنها تخطئ جبل الأخطاء والخطايا التي تتهدد ما تبقى من شرعيتكم.
* * *
كنت في حوار مع صديق من مؤيدي الشرعية (وكلنا مؤيدين لها) لكنه من المدافعين عن القرارات الرئاسية الأخيرة، وراح يعاتب المجلس الانتقالي لماذا احتج على تلك القرارات فقلت له ببساطة لأن هذه القرارات مخالفة لاتفاق الرياض، فانبرى يحاججني بأن مجلس الشورى والنيابة العامة لا تدخل ضمن اختصاصات اتفاق الرياض، قلت له ما قولك في الذين يقولون أن بعض المعينين متهمون بالفساد ومحالون إلى التحقيق والبعض متهم بجرائم حرب.
قال أنا عارف لكن الرئيس حر في قراراته ولا يحق لأحد الاعتراض عليها.
قلت له هل تقصد.. أن هؤلاء الفاسدين حقنا ونحن أحرار نعينهم حيث نشاء؟؟
قال: نعم!! بغضب، ثم أغلق الهاتف.
لن أصدق أولئك الذين يتهكمون على رئيس الجمهورية ويقولون أنه موظف عند حزب الإصلاح، فقد قلت لأحدهم: يا أخي عيب عليكم أنتم تتكلمون على رجل بدرجة رئيس جمهورية، منتخب.
قال لي: نعم هو موظف عند الجماعة بدرجة رئيس جمهورية.
الحقيقة لقد أغضبني بحديثه الساخر هذا بحق رئيس البلد، بغض النظر عن ملاحظاتنا على أدائه وأداء المؤسسة الرئاسية.
لكنني محتاج لإقناع هذا وسواه ممن هم على شاكلته إلى أن أحصل على براهين تؤكد أن رئيس الجمهورية ليس مكبلا بقيود من قبل أحد ولا يمارس عليه ابتزاز من أحد، وأن ما يصدر عنه من قرارات ومواقف هي مواقفه السياسية النابعة من التزاماته الدستورية وليست ناجمة عن ضغوط أو ابتزازات معينة لأسباب ما تزال مجهولة لمعظم المتابعين ومنهم كاتب هذه السطور.
ولهذا نسال فخامة الرئيس:
أما زلت رئيسا لكل البلاد بكل طبقاتها وجهاتها الجغرافية وأطيافها السياسية، ومواقف أبنائها ومطالبهم؟ أم أن فخامتك قد غدوت رئيسا لفئة صغيرة من الشعب، أو ربما فوق الشعب تبتزكم وتستثمر في فخامتكم سياسيا وماليا، ثم لا تتورع أن تتخلى عنكم عند أول منعطف، يتيح لها ذلك وما تجربة نهاية العام 2014م عنا وعنكم ببعيدة.
حماكم الله من شرورو الأشرار وفجور الفجار.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك