رحلة الانتقام تتطلب أن تحفر قبرين: أحدهما لعدوك والآخر لك.
سمعنا وقرأنا عن كثير من الصراعات التي تَشردت بسببها شعوب وأُذلت فيها مجتمعات وأُزهقت فيها الأرواح، لأسباب جَهِلها من كانوا حَطَب وقودها، بينما عرفها تجار الحروب وسماسرة الموت.
وبعد فترة من الكَرّ والفَرّ يعْقِد من بقي صُلحا على تلال من جثث مقاتليهم، ثم تأتي الأجيال اللاحقة فتلعن الماضي المؤلم وما خلَّفه من مقابر وجروح وذكريات موحشة.
عفوا يا صديقي.. أتحدث هنا عن حروب الماضي وليس عن حَربك (المقدسة)! أعاذنا الله منها.. فقط أتساءل: هل تُشبه الليلةُ البارحةَ؟!
وهل يمكن للوعي أن يحمي الضحايا؟! وهل كل المطبّلين للحروب هم من تجار الموت؟ أم أنهم من ضحايا العصبيات الجوفاء والغباء القاتل!
المواساة لكل ضحية.. أينما كانت وكائنا من كان، والخزي والعار لكل جلاد أيا كان وكائنا من كان.
* * *
عشرات الآلاف يموتون وعشرات الآلاف يولدون.. وتستمر الحياة بمن بقي، لا يُخلَّد فيها المولود ولا يُوقف حركتها المفقود.
والأحمق فقط يظن أن هلاك منافسيه في الحياة يخلّده في الوجود، فيقضي عمره يسعى وراء إبادة الآخرين، ولكنه ومن يُحب يهلكون معهم أو قبلهم وإذا طال أمدهم هلكوا بعدهم بقليل.. {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ}؟!
* * *
يحتاج إصلاح الواقع السياسي والمجتمعي المتخبط إلى رؤية راشدة تنطلق من عمق فلسفة الحياة، وليس من ردود فعل عاطفية انفعالية؛ تنطلق من الـ"أنا" ولا تُعبر سوى عن حالات نفسية متأزمة.
وفي نفس الوقت تحتاج أي رؤية راشدة إلى نفوذ ليمكن تحويلها إلى واقع وإلا فما هي إلا مجرد حبر على ورق وكلام في الهواء.
وإذا كان من يمتلك الرؤية لا يمتلك النّفوذ، ومن يمتلك النفوذ لا يمتلك الرؤية، ولا رغبة لهما في التكامل، فإن معاناتنا ستطول وتطول؛ إذ لا يستقيم الظل والعود أعوج.
*جمعه نيوزيمن من منشورات للكاتب على صفحته في الفيس بوك