د. صادق القاضي

د. صادق القاضي

تابعنى على

نوال السعداوي.. خالدة: في ضمير الدنيا أم في جحيم الآخرة؟!

Tuesday 23 March 2021 الساعة 02:19 pm

ماذا يعني الموت بالنسبة لشخصٍ جابه الزمن: ثار بشجاعة على الماضي، وأثّر بقوة على الحاضر، وسيظل حاضرا ومؤثرا بشدة في المستقبل، وعلى المدى البعيد.؟!

لا شيء تقريباً.. الموت نسبي. حتمية بيولوجية تطال الجسد، فيما تحرر الشخص من هذا النوع. من ثقل المادة وقيود المكان والزمان.. ليدخل التاريخ كمفردة مرادفة للخلود.

إذن. "مافيش حاجة اسمها موت": هكذا قالت "نوال السعداوي" التي هي: 

- شخص ذهب جسده مؤخراً إلى مثواه الأخير. عن عمر يناهز التسعين عاماً.

- وشخصية نسوية عاصفة ستظل حية وفاعلة في الثقافة العربية إلى الأبد.

هذه الشخصية الأدبية الفكرية النسوية الجبارة هي كل ما يهمنا من "نوال السعداوي"، وهي بالطبع "خالدة" في مئات الخطابات والمواقف، وعشرات الكتب التي ترجم بعضها إلى عشرات اللغات.

لقد أصبحت أيقونة للنسوية والتنوير في الوعي والثقافة العربية المعاصرة. مقترنة بقضايا حرية وحقوق المراة والرجل والإنسان، وقضايا التغيير والحداثة والمعاصرة في مختلف مجالات الحياة الفكرية والاجتماعية والثقافية والسياسية..

وبالذات. ارتبطت نوال السعداوي بمحاولة تعديل خارطة المفاهيم والتقاليد المقلوبة المتعلقة بالمرأة وشرفها، في الثقافة العربية، والمتمركزة تقليدياً في النصف الأسفل من الجسد مرتبطة بالجنس:

"إن شرف الإنسان. رجلًا أو امرأة هو الصدق؛ صدق التفكير وصدق الإحساس وصدق الأفعال. إن الإنسان الشريف هو الذي لا يعيش حياة مزدوجة؛ واحدة في العلانية وأخرى في الخفاء".

نوال السعداوي طبيبة أمراض صدرية وأمراض نفسية، وعلى هذا الأساس جابهت ظواهر ومظاهر الانفصام والانحطاط الجمعي: العقلي والنفسي.. الروحي والأخلاقي والسلوكي.. كعاهات متفشية في المجتمع. تقول:

"كل مآسي المجتمع دخلت عيادتي.. كل نتائج التخفي والخداع استلقت أمامي على منضدة الكشف.. الحقائق المرة التي ينكرها الناس جاءت وتمددت تحت يدي على منضدة العمليات..

أليس هذا الرجل الذي يذبح أخته المخطئة هو نفسه الذي يخطىء مع أخوات الرجال؟!

أليس هذا الذئب الذي يخدع الطفلة البريئة هو نفسه الأب الذي يحبس ابنته ويقيدها؟!

أليست هذه الزوجة التي تخون زوجها هي نفسها المرأة التي تطلق الشائعات على النساء؟!

أليس هذا المجتمع الذي يبيع أغاني الحب والغرام هو نفسه المجتمع الذي ينصب المشنقة لكل من يقع في الحب والغرام؟!

أشفقت على الناس.. كل الناس، فهم الضحايا وهم أيضًا الجناة.!".

بهذا تكون نوال السعداوي قد عرت المجتمع المتزمت، وكشفت عورة الثقافة الذكورية، وفضحت أزمات الأنظمة والنظم السياسية والاجتماعية والدينية التقليدية، وكشفت منابع التخلف والتطرف والاستبداد والفساد..

بعبارة أخرى. لقد أزعجت وتزعج وستظل تزعج.. أشخاصا كثيرين وهيئات كثيرة من سدنة الوهم وكهنة الخرافة، وحراس التقاليد، وأعداء الحب والحرية والخير والجمال..

كل هؤلاء المنزعجين والمفضوحين والمتضررين.. حاولوا وأدها في حياتها:

"أنا امرأة ممنوعة من التداول، يريدون إخفات صوتي وكتبي وفكري، لكنني لست نادمة على أي شيء، ولو عاد بي الزمن سأكون أكثر تمردًا وثورة مما كنت في جميع مراحل حياتي".

ثمّ في يوم وفاتها. اجتمعوا مجددا وبعبثية أكثر. ليصدروا عليها -نيابة عن الله، وقبل يوم الحساب، وبلا محاكمات- أحكاماً نهائية بعقوبة السجن المؤبد في الجحيم، مع الأعمال الشاقة، والعذابات المضاعفة.!