مصطفى النعمان

مصطفى النعمان

تابعنى على

هل اقتربت حرب اليمن من نهايتها؟

Wednesday 24 March 2021 الساعة 07:47 am

هل اقتربت الحرب من نهايتها؟ هذا هو السؤال الذي يواجهني، وحتماً إنه يواجه كل يمني عندما يلتقي بيمني آخر أو عربي محب أو أجنبي متابع.

 وفي كل الأحوال يكون الجواب محبطاً للسائل وللمجيب... فلماذا تأخر الحسم؟ ولماذا عجزت كل الأطراف عن تحقيق مبتغاها؟ وهل يمكن للانخراط الأميركي النشط أن يدفع نحو مسار بعيد عن القتال والتدمير؟ 

وماذا لو توقف التدخل العسكري السعودي - الإماراتي؟ وهل إيران طرف راغب أو قادر على المساعدة في إنهاء الحرب؟

اليوم، تمر اليمن بمرحلة هي أقرب إلى السباحة خارج نطاق الجاذبية التي لا تتمكن فيها أي قوة من الزعم بتحكمها في تحركاتها ومنتهاها، كما أن كل الأطراف المحلية أصابها عجز في التفكير بطريقة تتوافق مع الواقع الذي تشكل على مراحل عدة، أولها، تمديد الفترة الانتقالية التي كان محدداً انتهاؤها في 21 فبراير (شباط) 2014، وكان من الطبيعي أن تؤدي المماطلة، وربما كان الأمر متعمداً، في بدء ثم اختتام أعمال (مؤتمر الحوار الوطني) إلى عجز الرئيس هادي وإدارة مؤتمر الحوار في ضبط المواعيد، ما أفسح المجال لتمتد المرحلة الانتقالية إلى أجل غير مسمى، وجعلت الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية غير مرتبطة بزمن محدد كما كان مفروضاً ومتوقعاً. 

وقد أدى ذلك إلى إرباك أعمال الدولة التي اختزلت في منزل الرئيس ولقاءاته مع سفراء الدول الغربية والمبعوث الأممي جمال بن عمر، ولم تبدِ أي من التنظيمات السياسية المشاركة في الحكومة اعتراضاً على الأمر مقابل توظيف أعضائها وأقاربهم.

المرحلة الثانية، هي الأحداث التي جرت في 21 سبتمبر (أيلول) 2014، وما تبعها من توقيع على ما عُرف باتفاق السلم والشراكة الوطنية، وهو وثيقة اعترفت بأحقية جماعة الحوثي في المشاركة الكاملة في هيئات الدولة بعد تمكنها من الاستيلاء على العاصمة، واصفة فعلها غير الدستوري بأنه ثورة شعبية، واستسلمت الأحزاب السياسية مقابل تثبيت ما اكتسبته خلال العامين الأولين من المرحلة الانتقالية.

المرحلة الثالثة، لم يكن من الطبيعي استمرار المرحلة الثانية طويلاً، لأن الوافد الجديد إلى السلطة كان في حال نشوة، زاد من منسوبها ضعف القوى الأخرى ومحاولتها جميعاً التقرب من والتعامل مع جماعة الحوثيين، التي كانت تمتلك مشروعاً سياسياً واجتماعياً لم يظهر إلى العلن إلا في مرحلة لاحقة. 

لعل أكثر النماذج وضوحاً هو رفض تكليف أحمد بن مبارك (وزير الخارجية الحالي ومدير مكتب الرئاسة حينها) بتشكيل الحكومة الجديدة ثم قبولها، الذي فاجأ الجميع، بتكليف خالد بحاح (كان سفيراً في كندا)، وكان يمتلك تجربة إدارية بحكم عمله في إحدى شركات النفط الغربية ثم عمله القصير كوزير للنفط، لكنه كان يفتقر إلى فهم الواقع السياسي والاجتماعي المعقد، فجاءت تشكيلة حكومته معبرة عن الفجوة بين ضرورات الفترة الأكثر حرجاً في تاريخ اليمن وبين النظر إلى الأمر كمعضلة إدارية.

المرحلة الرابعة، كان من المنطقي أن تطالب جماعة الحوثي بحصة تتناسب مع جموحها أمام ضعف الآخرين وخضوعهم، وشعر الرئيس هادي متأخراً أن قبوله قائمة التعيينات التي قدموها بأسلوب لا يقبل التفاوض سيعني حتماً أنه لن يبقى طويلاً في موقعه، وأن عجزه وعزلته حولتاه أسيراً لهم، وهما خطيئتان لم يبذل الجهد المطلوب من رأس الدولة لتجاوزهما. 

قدم هادي استقالته إلى مجلس النواب، فأدخل البلد إلى قلب عاصفة من القلق والترقب وعدم القدرة على مقاومة مشروع منضبط ونقيض للعمل المؤسسي. وانتهى الأمر باحتجازه في منزله بصنعاء إلى أن تمكن من الفرار إلى عدن ثم إلى الرياض عبر صلالة.

المرحلة الخامسة، تمثلت بإعلان الحوثيين السيطرة المباشرة على مؤسسات الدولة وتسييرها عبر أنصارهم الذين تم اختيارهم بعناية ممن يثقون بهم كلية، ثم أطلقوا التصريحات العلنية بأهمية ارتباطهم بإيران، ولم يراعوا في كل تحركاتهم الداخلية والخارجية حساسية الأمر وردود الفعل على الصعيدين الوطني والإقليمي، ولم يبذلوا جهداً للتخفيف من القلق الذي اجتاح الإقليم المجاور على وجه الخصوص.

إن السرد الموجز لهذه المراحل هو مقدمة للقارئ الذي تغيب عنه المسارات التي قادت البلاد إلى هذا الواقع.

حين قامت الحرب الدائرة حتى الآن ومنذ فجر الـ26 من مارس (آذار) 2015، لم يكن في بال المخططين لها أن تستمر حتى يومنا.

 ولعل السبب في ذلك (من وجهة نظري) هو غياب المعلومات الكافية عن عمق العلاقة التي كانت جماعة الحوثي قد نسجتها مع إيران بصورة فردية ثم جماعية إلى أن أصبحت عضوية، ولم تلتفت الأجهزة الأمنية في اليمن والسعودية إلى أهمية تتبعها ورصد التحركات التي نرى محصلتها اليوم.

 كما أنه من الأهمية بمكان تفهّم أن تلك العلاقة صارت اليوم أكثر حيوية للطرفين، فإيران ترى في جماعة الحوثي حليفاً يمكنه إزعاج السعودية بأقل كلفة مالية، وفي الوقت نفسه ترى الجماعة أن إيران هي نافدتها الوحيدة التي يمكن الركون إليها سياسياً وإعلامياً، وكذلك تدريباً على التقنية التي طورت على الرغم من الحصار وسنوات الحرب.

وللإجابة عن سؤال إمكانية إعلان اتفاق لوقف فوري وإلزامي للعمليات العسكرية بخطوطها الحالية، فالجميع صار مدركاً بأن التوصل إلى انتصار طرف لا يمكن تحقيقه إلا باستمرار الحرب والتدمير التي يتمنى أنها تستنزف الطرف الآخر، ولكنه في الوقت نفسه سيؤدي حتماً إلى تعميق المأساة الإنسانية التي يمر بها اليمن، ما سيتيح الفرصة لمزيد من الضغوطات الخارجية التي تعكس تأثر الرأي العام الغربي، الذي يتابع مشاهد الموت والمجاعة التي تخيم على كل منطقة يمنية، وليس معنياً ولا مهتماً بمعرفة أسبابها ومبرراتها.

ما جرى على الأرض منذ بدايات الحرب لم يحقق أكثر من الإبقاء على الجراح مفتوحة لمزيد من التدخلات، ثم الشكوى من استغلالها للحصول على مزيد من التنازلات من كل الأطراف اليمنية والإقليمية.

 وهكذا صار من الضروري البحث في المحفزات التي تدفع الجميع نحو اتفاق سريع وتقديم التنازلات الكبرى، التي تجعل إنهاء الحرب رغبة حقيقية جادة من دون انتظار لما يقدمه مبعوث أميركي أو أممي، اللذان لا يمكن أن يكون استقرار المنطقة أهم عندهما من المصالح التي يمثلانها.

وطالما أن الأطراف المتحاربة تعلم بأن لا طائل من وراء استمرار النزيف، فمن المنطقي والأخلاقي أن يكون انتهاء الحرب أمراً ممكناً بقاعدة واحدة، أن الحرب لا يمكنها أبداً تحقيق أي من الأهداف التي تتمسك بها الأطراف، وأنه من غير المقبول به أن يكون السلاح وسيلة للحكم وفرض القناعات.

 وما لم يحدث ذلك فما على الجميع إلا الخضوع للشروط الخارجية وتحمل تبعاتها.

*نقلا عن اندبندنت عربية