د. عيدروس نصر

د. عيدروس نصر

تابعنى على

ست سنوات على عاصفة الحزم

Wednesday 31 March 2021 الساعة 09:29 pm

أين نجحت العاصفة وأين أخفقت؟

أول سؤال يواجهه الباحث وهو يعود بالذاكرة إلى يوم 26 مارس 2015م، حينما انطلقت عاصفة الحزم هو السؤال: أين أصابت العاصفة وماذا حققت من نتائج؟ وأين أخفقت وما هي أسباب هذا الإخفاق؟.

بعيدا عن خطاب المبتهجين بالإخفاقات التي تعرضت لها عاصفة الحزم وهي تواجه التحدي الأكبر، في تاريخ العلاقات اليمنية السعودية والخليجية عموما.

 يمكن التأكيد أن عاصفة الحزم جاءت كي تحقق أهدافاً مرسومة سلفا، لكنها  مثل كل جهدٍ بشري يمكن أن تصيب ويمكن أن تتعرض لإخفاقات وأخطاء لن يكون التوقف عندها من منطلق الشماتة أو التندر وجمع المستمسكات كما يفعل البعض، بل من أجل استخلاص الدروس والعبر للعمل على تجنب تكرارها وفي سبيل تسريع الوصول إلى الغايات النهائية إن كان في الوقت متسعٌ، خصوصا في ظل اشتداد الضغط والابتزاز اللذين تتعرض لهما الشقيقتان الخليجيتان، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

لقد توقع الكثيرون أن عاصفة الحزم يمكن أن تنهي مهمتها في ثلاثة إلى أربعة أشهر وإن طالت فلن تتجاوز الأشهر العشرة، نظرا لما حققته في الضربة الأولى التي أقعدت خصومها أرضا وشلت قدراتهم القتالية، التكتيكية والتسليحية البرية والجوية وحتى القوى البشرية.

 وقد تمكنت القوات المفترض أنها نصير للشرعية، أن تتسلم عددا من المناطق التي حررها أهاليها شرقي صنعاء، لتصبح العاصمة صنعاء في مرمى نيران تلك القوات، علما بأن أهالي مأرب والجوف والكثير من مناطق البيضاء وتعز قد دافعوا عن أراضيهم وبقيت الكثير من تلك المناطق خارج نفوذ الجماعة الانقلابية، بفضل مقاومة أبنائها ورفضهم الاستسلام للانقلاب والانقلابيين أو حتى التعايش معهم.

لكن النجاح الأكبر جرى إحرازه في  مناطق الجنوب التي شهدت مواجهة لم تعرفها تلك المناطق منذ قرون، استخدمت فيها قوات التحالف الانقلابي كل وسائل القتل والتدمير واستهدفت كل كائن حي وكل ما له علاقة بالحياة، فهدمت المنازل فوق ساكنيها وقنصت الأطفال والنساء والعجزة، واستهدفت زوارق النازحين، ومخيمات اللاجئين ولم تدع هدفا إلا وصوبت نيرانها نحوه، ومع ذلك وبفضل التماسك والتعاضد المتين بين المقاومين الجنوبيين والقوات العسكرية الجنوبية، التي ظلت على مدى ربع قرن مبعدة من كل فرصة للتأهيل والحفاظ على المهارات وتطوير القدرات، بفضل التعاضد بين كل هؤلاء وبين قوات التحالف العربي ممثلة بالقوات الإماراتية الشقيقة المتعاونة مع القوات السعودية الشقيقة، استطاعت المقاومة الجنوبية أن تدحر الجماعة الانقلابية في أقل من مائة يوم إلى حدود ما قبل 22 مايو 1990م.

 واعتبر الكثير من المراقبين والمحللين الاستراتيجيين والعسكريين هذا الانتصار ظاهرة استثنائية، إذ لم يحصل منذ عقود أن يُهزم الطرف الأقوى والأوفر عدةً وعتاداً والأكثر مهارةً وخبرةً، من قبل فئة محدودة القدرات والمهارات وقليلة الخبرة وضئيلة العدة والعتاد، وهو ما استنتج منه المتابعون أن قوة الإرادة والتمسك بالحق يمكن أن تغني صاحبها عن آلاف المقاتلين والقناصين ومئات الآليات والمركبات ومنصات إطلاق الصواريخ والأسلحة المدفعية الثقيلة والخفيفة.

نجحت عاصفة الحزم جنوباً لكنها فشلت في توظيف هذا النجاح لتقدم منه نموذجا لمشروعها الذي تريده لليمن والذي يمكن أن يجعل ملايين اليمنيين الواقعين تحت هيمنة الطرف الانقلابي ينتفضون ضده ليبحثوا عن حياة أفضل تشبه حياة أشقائهم في المناطق التي حررها أبناؤها في الجنوب، والأسوأ من ذلك أن من سرقوا الانتصار الجنوبي حولوه إلى وسيلة لعقاب المنتصرين، وهو العقاب الذي يزداد اشتدادا واتساعا ليشمل سياسات التجويع وحرب الخدمات في سبيل التركيع والترويع، فأصبحت حياة المواطنين، في المناطق الجنوبية (المحررة) أشد سوءاً وأكثر تدهوراً وأشد بؤساً وأعلى معاناةً مما هي عليه عند أشقائهم في مناطق هيمنة الجماعة الانقلابية.

 وهذا الموضوع يمكن تناوله في سياق آخر بشكل أكثر توسعاً، لكن المهم أن قيمة الانتصار الجنوبي فقدت بريقها لدى الجنوبيين أولا الذين ظلوا يتوقون إلى حصد ثمار انتصارهم، فلم يحصدوا إلا العذاب والمرارة، ولدى الشماليين الذين كانوا يتوقون للتحرر من هيمنة الجماعة الحوثية فأبصروا في ما يعانيه أخوتهم "المنتصرون" في الجنوب عذاباً مبينا، مما رفد الانقلابيين بزخم معنوي ودعائي كبير لم يحسب حسابه أحد لا في الشرعية ولا في التحالف العربي حتى اللحظة.

وعندما حاولت دول التحالف الشقيقة شق الصف الانقلابي بالرهان على الدور الذي كان يمكن أن يلعبه خروج الرئيس صالح من التحالف الانقلابي، لم تسر الأمور على ما يرام، بل لقد أفشل الحوثيون هذه الخطة بضربة استباقية أخرجت الرجل من المعادلة السياسية والعسكرية ومن الحياة كليةً.

سنتناول في وقفة قادمة أسباب الانتصار جنوباً والإخفاق شمالاً

*   *  *

 النجاح والإخفاق.. أقوال بلا ردود أفعال

أشرت في الجزء السابق من هذا المنشور إلى بعضٍ من النجاحات التي حققتها عاصفة الحزم والإخفاقات التي صاحبتها بعد أن غدا مصير اليمن شمالاً وجنوباً وعلاقته بأشقائه في دول التحالف العربي وغيرها من الدول العربية وغير العربية مرهونا بنتائج هذه العاصفة.

 وهنا سأسمح لنفسي بالتعرض لمجموعة من التصورات والمآخذ والأقاويل والتحليلات التي يطرحها الكثير من الخبراء الاستراتيجيين والمحللين السياسيين والناشطين الإعلاميين وبعضهم محسوبون على الشرعية أو مؤيدون لبعض أطرافها، ومن هذه الأقاويل مثلاً لا حصراً:

1- هناك من يقول بأن السعودية ليس لها من هدف سوى تدمير اليمن وإن عاصفة الحزم لم تأت إلا في هذا الإطار، وهذا القول يروج له الكثيرون من المحسوبين على أطراف مؤيدة للشرعية، وبعضهم يتمول من التحالف العربي ومن السعودية على وجه الخصوص، ناهيك عن الكثيرين ممن لا يضمرون خيرا لا للسعودية ولا لليمن، وهو ما يطرح أسئلة متعددة من المفروض أن يتصدى لها الإعلام السعودي على الأقل من منطلق الدفاع عن السعودية وإيضاح موقفها.

2- هناك من يقول إن السعودية أعلنت عاصفة الحزم دون دراسة مستوفية لظروف النجاح والفشل وظن من خططوا لهذه العاصفة أنها لن تدوم أكثر من أسابيع خصوصاً بعد شل القدرات الدفاعية للتحالف الانقلابي، بيد أن هؤلاء، يرون أن الجرعة الناقصة قد منحت الحوثيين قوة إضافية بدلا من إخماد طاقاتهم، وأكسبتهم شعبية مجانية لدى بعض المواطنين الذين يبتلعون ما يروجه الإعلام الحوثي، عن "العدوان السعو-أمريكو- صهيو-إماراتي".

3- هناك من يسوق مقولة إن السعودية والإمارات هدفهما من إطالة أمد الحرب هو تقاسم اليمن وخيراتها ومواردها، ويستعين هؤلاء ببعض الإحصائيات التي تقول إن الاحتياطي النفطي والمعدني في اليمن، وبالذات في محافظات الجنوب، يفوق عشرات المرات كل الاحتياطي الخليجي والروسي ما يجعله محل أطماع دولتي التحالف وغيرهما من الدول المشاركة في الحرب بطريقة مباشرة وغير مباشرة. 

4- وهناك من يقول إن الرئيس هادي قد انتهت فترة رئاسته القانونية، وإن إطالة الحرب هي هدف مزدوج بين كلٍ من هادي وحزب  الإصلاح اليمني والقيادة السعودية، فهادي يستفيد من الحرب للحفاظ على بقائه في واجهة الرئاسة حتى ولو بدون صلاحيات، خصوصا وهناك من يتهم أولاده والمقربين منه بالتورط في عمليات فساد كبيرة بمشاركة القادة الكبار التقليديين المشهود لهم بالفساد منذ ما قبل 1994م، والإصلاح يستفيد من الرئيس هادي في تمرير مشروعه الإخواني العالمي فضلا عن الحفاظ على الغنائم التي يسيطر عليها في الجنوب منذ 1994م بما في ذلك القطاعات النفطية، وسواحل الاصطياد والأراضي والمنشآت والأراضي والمساحات المنهوبة والشركات الوهمية التي حصد من خلالها عشرات المليارات، مثل شركة "المنقذ" و"شركة الأسماك والأحياء البحرية" وغيرها، والسعودية مستفيدة من وجود هادي (ولو كان شكليا) لأنه المظلة الشرعية التي من خلالها تنفذ مشروعها في التصدي للتمدد الإيراني في اليمن.

5- وأكثر المآخذ انتشارا حول عاصفة الحزم هو ذلك الذي يقول أصحابه بأن السعودية ما تزال تتعامل مع اليمنيين بطريقة الستينيات والسبعينيات وذلك من خلال الرهان على شراء القيادات القبلية التقليدية، التي شبعت ثراءً من الأموال السعودية، بينما هي تخدم كل من يدفع ولو من الطرفين المتقاتلين.

 وتحضر هنا المقولة التاريخية منذ التدخل المصري والسعودي في الحرب بين الملكيين والجمهورية منذ عام 1962م، حينما انتشرت مقولة "الجمهوريين نهارا، والملكيين ليلا" بحيث يقاتل هؤلاء نهارا مع الجمهورية وليلا مع الملكية، نظير ما يتلقونه من الأموال من الطرفين، أو ما لخصه الأستاذ محسن العيني بقوله: إن هؤلاء القادة القبليين كانوا يرددون الدعاء "اللهم احفظ الجمهورية إلى النصف والملكية إلى النصف"، واليوم يستمر نفس المشهد بينما يعتقد بعض الإخوة السعوديين أنهم بكسبهم لهؤلاء القادة (الوهميين) يمكنهم أن يكسبوا كل الشعب في الشمال، بينما يعلم الجميع أن هؤلاء القادة هم من خذل السعودية نفسها كما خذلوا الرئيس علي عبد الله صالح عندما تركوه يقاتل وحيدا بمعية أقل من مائتي مقاتل من أقاربه وحراسته الشخصية.

إن استعراض هذه المقولات والتحليلات السياسية لبعض المثقفين والإعلاميين والمحللين السياسيين ومنهم يمنيون، لم يلاقِ ردا لا بالنفي ولا بالتأكيد لا من قبل الإعلام الرسمي السعودي ولا من الإعلام الرسمي الشرعي اليمني، وهو ما يخلق حالة من البلبلة والتشوش الذهني لدى الكثير من المواطنين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين.

 وعلينا أن لا نصدق بأن جميع المقاتلين المؤيدين للمشروع الحوثي من الشباب والكهول يذهبون إلى الجبهات مُكرَهين، لأن المُكرَه لا يمكن أن يصمد ساعة واحدة أمام نيران الطيران والمدفعية والأسلحة التقليدية وغير التقليدية، ناهيك عن أن يجتاح مساحات ويسقط معسكرات ويقترب من أهم المواقع الاستراتيجية للخصم ويسيطر على بعضها كما جرى في فرضة نهم ومحافظة الجوف، ومديريات البيضاء الشمالية.


*جمعه نيوزيمن من منشورات للكاتب على صفحته في الفيس بوك