محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد

تابعنى على

جمال الدين الأفغاني.. سياسي وخطيب وكاتب صانع للتحولات

Monday 03 May 2021 الساعة 01:14 pm

جمال الدين الأفغاني.. السياسي والخطيب والمتكلم الساحر، والكاتب الصانع للتحولات... 

 من معطف نقده للدهريين جاء دعاة الإعجاز العلمي في القرآن، ومن ثوريته السياسية تخلق أحمد عرابي وثورته، ومن محاضراته في مقهى متاتيا ترعرعت ثورة 1919 وسعد زغلول، ومن نزعته الشرقية كان الحزب الوطني ومصطفى كامل، ومن توفيقيته بين العلم والإيمان وتلميحاته عن الإعجاز العلمي في القرآن بالغ الدعاة فأقحموا القرآن كتاب مكارم الأخلاق فجعلوا منه متمم العلوم والاكتشافات السابقة للزمن.. ومن نقده للشيوعية جاء العقاد.

هذا السياسي والخطيب والمثقف، والعابر لحدود الانتماءات الوطنية والقومية والمذاهب والأديان كان أسطورة زمانه، ومقلق عروش تركيا وفارس ومصر.

كانت بريطانيا وفرنسا وروسيا يعملون لتحركاته حسابا فوق الحساب...

داهنه خديوي مصر وسلطان تركيا وشاه فارس.

وأرادت توجيه بوصلته بريطانيا وفرنسا وروسيا، لكنه كان في الأخير جمال الدين الأفغاني، المقلق للانتماءات والامبراطوريات، فقد كانت شخصيته تستخدم الهوية كمقام للخطاب، فتارة يعرف نفسه بالحسيني وأخرى بالأفغاني وثالثة بالاسطنبولي.

شخصية تخلقت من معطفه بذور الإخوان المسلمين والوطنيين والقوميين والجامعة الإسلامية.

من المدرسة التوفيقية لجمال الدين الأفغاني بين القديم والجديد، ومن رؤيته لدنيوية الإسلام وروحانيته كان محمد رشيد رضا، أستاذ حسن البنا وواضع مداميك بوصلة الإخوان المسلمين.

هدف الأفغاني إلى القول بأن القرآن لا يتعارض مع العلم، فالتقط الدعاة ومشايخ الدين تلميحاته إلى أن القرآن تضمن إشارات عن العلوم، فتحول ما قاله إلى طريق لأصحاب "الإعجاز العلمي في القرآن" بما يحيل توفيقيته إلى شطط في النهج والموقف. 

في باريس ضاق تلميذه محمد عبده بنهجه وصلابة اندفاعه السياسي، وموقفه المناهض للاستعمار البريطاني، فما كان من الأفغاني إلا أن قال له أنت إنسان مثبط.

بدأ مع المحفل الماسوني البريطاني، وحين وجده ضد السياسة في المستعمرات البريطانية تركه ليؤسس لنفسه محفلا ماسونيا شرقيا بنهج تحرري، وبشعارات الثورة الفرنسية عن الإخاء والمساواة والحرية.

كان يقترب من فرنسا أو روسيا أو بريطانيا أو تركيا أو طهران بما يخدم تصوراته، ويختلف معهم حين يجد ألا أمل في توظيف التناقضات لمصلحة مشروعه...

مثقف وسياسي كهذا نادر في الحضور وعميق في التأثير...

حين مات بسرطان في فكه ولسانه، وكان يحب السيجار كثيرا، ويعتقد أنه يفتح آفاقا للتفكير، لم يحضر جنازته سوى اثنين من تلاميذه في اسطنبول، فاستعين بحمل نعشه على أربعة شقاة بالأجر.

أبلغ تعبير عنه ما رثاه به الشاعر العربي محمد مهدي الجواهري، حين قال في قصيدة له عند نقل رفاة جمال الدين الأفغاني من اسطنبول التي توفي فيها في 9 آذار 1897 وظل قبره مهملا هناك، لم يهتم به سوى أمريكي عمل على تجديد وتزيين ضريحه في منتصف عشرينيات القرن العشرين في اسطنبول..

 تم نقل رفاته إلى كابول عام 1944، وعند مرور الرفاة في بغداد كان هناك استقبال خطابي وشعري، قال فيه الجواهري من قصيدة طويلة ننقل منها هذا البيت:

هويت لنصرة الحق السهادا

فلولا الموت لم تطق الرقادا

لم يكن يهمد له مقام، متحرك دوما من إيران وتركيا وكابول ومصر والعراق والشام ولندن وباريس وبطرسبرج الخ..

نعم فلولا الموت لم يطق الرقادا...

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك