أحمد الجعدي

أحمد الجعدي

تابعنى على

العقل وأشياء لا تُشترى

Thursday 13 May 2021 الساعة 04:14 pm

لو مثلاً أجتهدت في فهم العقل العربي وطريقة تفاعله مع الأحداث والمتغيرات لن تجد صورة من وجهة نظري أكثر مقاربة لمعتقداته أو لمفهوم الحقيقة عنده من رجل أعمى تحسس محيطة فوقعت بين أصابعه خرزة ملساء مصنوعة من العاج عديم القيمة فقبض عليها بيمينه كالمؤمن القوي القابض على دينه، ثم في ظلمات ثلاث، ظلمة العمى والليل والجهل تسلل من بين أهله دون دليل، هارباً للمجهول، أملاً بأن يجد يوماً ما ثمناً لذلك اللاشيء الذي عليه بدأ يبني كل آماله وطموحاته.

بمعنى آخر هو أنه من الصعب عليه تقبل أن الذي بين يديه ليس بالضرورة الحقيقة المطلقة ولا السبب الأخير للخلاص، والشيء الصعب أيضاً في هكذا ضروف يمر بها الإنسان هو أن الآخر لا يستطيع التواصل مع أفكاره التي يتعاطى معها على أنها معتقدات حتى ولو لم يكن لها ربٌّ، ولم ينزل بها مَلَكٌ، فلا يمكن للآخر أن يريه شكل البلورات في معملٍ للكيمياء وهو الأعمى الذي لا يرى أصابع يده.

للتوضيح أكثر وأكثر، ليس بالضرورة أن يكون العمى تعطل قدرة العينين عن العمل، فإرتفاع نسبه الشعور بالخوف والقلق من فكرة الفشل عمى، والشعور بالعجز واليأس وقلّة الحيلة عمى، والمضي قدماً نحو الهدف الذي قررت يوماً ما في ظرفٍ ما أنه خلاصك بطريقة واحده ووحيده دون القدرة على رؤية المتغيرات والتعامل مع الثانويات بطرق أكثر مرونه هو أيضاً من العمى.

السبب الذي دفعني للحديث في هذا الموضوع، أو الوصول لهذه الخلاصة التي لا تتعدى كونها وجهة نظر، 

فقد تكون بعيدة كل البعد عن الحقيقة، فالحديث عن عقول النّاس والحكم عليها عمل لا أخلاقي إذا ما تحدثنا عنها بنوع من الإستعلاء أو على طريقة الطبيب ومريضة، فهي أولاً وأخيراً مجرد وجهة نظر تكونت برأسي بعد أحداث فلسطين الأخيره وقد أكون واحداً من الناس الذين أتحدث عنهم في مقالي هذا.

الأعمى هو الذي يكلّف نفسه أن ينظر للأحداث هناك بعيون محمد بن زايد أو بن سلمان، أو ذلك الذي يراها بعيون أردوغانية، معتقداً أن بناء مصالح مع تلك الدول تستوجب عليه الإيمان المطلق بما رأته أعينهم، والأعمى المسكين هو الذي يعتقد بأن أردوغان أو السيسي وخامنئي يرون الأحداث بعيون مؤمنه على الرغم من الأراء المختلفة التي تسردها الفضائيات والصور التي تكشفها لنا الأيام والسجلات المليئة بالأرقام حول فجور الرؤيا وإنتهازية العيون الوقحة والمصالح التي تشعُّ منها.

نسبية الحقيقة في الشيء الذي تراه بأم عينيك أكبر من نسبيتها وأنت ترى نفس الشيء بأعين الآخرين، كما أنه يمكن للنسبية أن تتساوى حتى وإن أختلفت الصورة بعينيك عن الصورة التي بأعينهم لو أنك أخذت بالحسبان زاوية الرؤيا التي ينظر كل واحدٍ منها للقدس وما الذي يفعله الصهاينة هناك ومالذي تقترفه حماس او الجهاد أو فتح أو حزب الله وإيران ومصر والإمارات وقطر الى آخره.

ماذا لو جرّبنا أن نمارس السياسة ونبحث عن مصالحنا دون أن نفقد قيمنا وإنسانيتنا، جرّب أن تضع القضايا التي تعتريك كل واحده في مكانها الصحيح وحجمها الطبيعي، فالقدس ليست لإيران ولا لحركة الإخوان ولا أنتِ مطالب بإتخاذ موقف عدائي ضد الفلسطيني أو القدس، ولست مجبر أن تدافع على عنجهية الصهاينة وعنصريتهم التي ترفض السلام وحل الدولتين الذي تحدث عنها العرب منذُ زمنٍ بعيد، فإذا لم تكن كل تلك الأشياء ستؤثر على أهدافك الخاصة ومشروعك السياسي والوطني فما الذي يجبرك أن تقف في المكان الخطأ؟

العقل هو العينين اللتين ترى بهما الدنيا، فخذ ما تراه ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدرِ ما يغنيك عن زحلِ، وكما قال أمل دنقل: هي أشياء لا تُشترى.