الحديث عن قائد كالشوبجي مهما كان سيظل حديثا مبتورا وغير كاف للإلمام بجوانب شخصيته التي مثلت محور ارتكاز قيمي ونضالي وأخلاقي.
ومهما قلنا وعددنا وذكرنا صفاته فإننا لن نفي الرجل حقه، ولا يمكن لكلماتنا أن تعبر عن كثافة الشهيد وحضوره سياسيا وجماهيريا واجتماعيا وانسانيا، علاوة على ما تميز به من ثقافة وشجاعة وإقدام وصدق ووفاء، وهو وفوق كل ما ميزه، كان بسيطا متواضعا تواضع السنابل المثقلة بالخير والعطاء، متوهجا في كل الملمات، وشاهدا عمليا في منعطفات كثيرة خاضها بمعية رفاقه دفاعا عن كل القيم والمثل والمبادئ.
وعلى امتداد المسارات الكفاحية التي كانت جزءا أصيلا من سمات الشهيد الجسور يحيى الشوبجي، الذي كان دوما يستمر بتوليد الحلم رغم كل الظروف العصيبة التي عايشناها منذ ما بعد حرب 94 الظالمة إلا أن الرجل لم يفقد يوما الأمل الكبير بالتغيير، كان مبتسما وضاحكا ومشرقا وقائدا في أشد الأوقات قتامة وحلكة، سخيا في عطاءاته لرفاقه ومن حوله، وفيا للقيم النبيلة التي تشبع بها وللمبادئ التي آمن بها وناضل من أجلها..
كنا دائما نلتقي في مقر الاشتراكي في الضالع، وكان الشهيد الشوبجي يقطع مسافات بعيدة ليكون معنا في كل الاتراح والأفراح، كان يضفي على اللقاءات نوعا من بهجته التي اتسم بها والكثير من الحضور البهي الذي ميز شخصيته وجعله محبوبا بين رفاقه يحظى بتقديرهم واحترامهم وانحيازه للقيم الأصيلة وللناس وقضاياهم.
كان نصيرا للبسطاء الذين أحبوه مثلما أحبهم ومنحهم الكثير من وقته وجهده في متابعة مشكلاتهم والعمل على حلها، مضحيا ومخلصا.
ولقد كان حاضرا في حل الكثير من القضايا في الضالع وخارج الضالع كشخصية اجتماعية لها قبول عند كل الأطراف والذي مكنه من النجاح في حل قضايا صعبة وعسيرة ومعقدة.
شهد الشهيد وقائع كثيرة وكان من أبرز قيادات الحراك السلمي الجنوبي، تصدر احتجاجاته وفعالياته وبذل عطاءات كثيرة لتمكين رفاقه من حضور فعاليات الحراك ومسيراته التي كانت تقام في عدن ومحافظات أخرى، وسخر جهده وماله ووقته للنضال الدؤوب من أجل انتصار القضية الجنوبية العادلة، وحول منزله إلى مقر للاجتماعات واللقاءات، ولم يبخل قط في أي يوم من الأيام أو يتراجع أو ينكص في تقديم كل ما بوسعه لتحقيق الانتصار، وسواء في السلم أو الحرب كان الشهيد الشوبجي العنوان الأبرز للتضحية.
أتذكر جيدا حين استشهد أبناؤه واحدا بعد الآخر وطلبنا منه أن يسحب ابنه المتبقي في الجبهة ويكفيه شرف أنه قدم ثلاثة من أبنائه فقال قولته الشهيرة: أنا وأبنائي مشاريع شهادة طالما والعدو على أبوابنا، وهي شجاعة لا تقارن بأي شجاعة أخرى، وموقف رجولي لم يحدث من أي كان.
ولعلني وأنا الآن أكتب هذا الحديث فإنه لا يزال محمد الشوبجي، الابن الرابع للشوبحي، لا يزال يقود معارك الشرف ولم يغادر خنادق المواجهة بعد.
ولذلك وكما قلت إن الحديث عن الشهيد الشوبجي سيبقى ناقصا حتى إشعار آخر.
وعلى امتداد التاريخ فإن التضحيات الغالية التي قدمها هذا الجسور في سبيل الدفاع عن الجنوب وقضيته وثورته ستبقى رمزا من رموز الجنوب العظيمة، وسيظل الشوبجي حيا وميتا حالة استثنائية وظاهرة نضال وكفاح وتضحيات لن تتكرر..
إلى جنات الخلود يا رفيقي الشهيد، أنت وأبناؤك الشهداء تظللكم الملائكة وتتغشاكم رحمة الله ورضوانه، وسنظل سائرين في ذات النهج أوفياء لدمائكم الزكية التي خضبت تراب هذه الأرض الغالية ورسمت أيقونة نضال كفاحي بطولي سيدون في قلب التاريخ وقلوب كل الشرفاء، وستظلون وساما يعلق باستمرار على صدر هذا الشعب التواق للحرية، وستبقون مصدر فخر واعتزاز في كل مراحل النضال وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك