لا حلول منتظرة، على المدى القريب، لمسألة انهيار العملة التي ستواصل مشوار التراجع والانهيار للأسف، تبعا للعوامل السابقة، مضافاً إليها زيادة طلب محلي طارئ يضغط بقوة على السوق، لتلبية التعاملات المحلية، بما فيها شراء "القات"، بين المناطق المنقسمة التي غدا التعامل بينها بالعملة الأجنبية عوضا عن اقتصاره قديما على دورة محلية بالريال، والميزان يميل لصالح المناطق الخاضعة لميليشيات الحوثي.
ويبدو الحديث عن دور الحكومة في وقف هذا الانهيار من خلال اتخاذ إجراءات كابحة، مجرد أمنيات وخيال طامح، فالحكومة عاجزة، في ظل معوقات تلغي إمكانية تواجدها على الأرض، كما وتلغي قدرتها على إدارة الموارد، وفي ظل وضع معقد وغير مستقر، فضلا عن أنها لا تمسك بأدوات كافية تمكنها من كبح جماح الانهيار، مع صفرية الاحتياطي من النقد الأجنبي وعجز البنك المركزي عن التدخل لمعالجة وضع السوق وأداء وظيفته الرقابية على البنوك وشركات الصرافة، والتحكم او التأثير في العرض والطلب.
الحكومة وجهازها النقدي "الهش"، ممثلا بالبنك المركزي الناشئ معاق بتحديات مهولة، ولم تتمكن خلال فترة تواجدها البسيطة في عدن من ترتيب الأوراق المالية والامساك بزمام السوق المصرفي وممارسة الرقابة الفاعلة عليه، وانصرف جل تركيزها على مواجهة اتهامات خبراء مجلس الأمن لما مضى من إدارة الوديعة السعودية، وترك ترتيب أدوات المستقبل إلى أجل غير مسمى..
المضاربة الفاحشة جزء رئيسي من أسباب الانهيار على أن هناك اسباباً أخرى متعددة، تتمثل في تضاؤل دخل البلاد من العملة الأجنبية وارتفاع كلفة فاتورة تغطية نفقة المشتريات من الخارج وضغطها على السوق لتلبية الطلب.
ومن أبرز مستجدات أسباب الانهيار المنهكة، زيادة الطلب على العملة الأجنبية ليس للاستيراد من الخارج بل للشراء من الداخل، فجميع التعاملات النقدية للشراء من مناطق سيطرة ميليشيات الحوثي أصبحت تتم بالنقد الأجنبي، بينما العكس ليس متطلبا بالضرورة، ولك أن تتخيل الحاجة اليومية فقط لشراء "القات"، ناهيك عن أن أكثر السلع الغذائية والاستهلاكية في مناطق الحكومة لا تزال تجلب من صنعاء..
أغلب التعاملات المالية المحلية أصبحت تتم بالدولار او الريال السعودي، وحتى من يتعامل بالريال يحسبه بسعر الصرف ليقابله نهاية اليوم بزيادة الطلب على العملة.
المواطن من الموظف الحكومي وموظف القطاع الخاص، والعامل باليومية، هو الأكثر تضررا من هذا الانهيار، حيث يجد كل يوم ان راتبه او عائده اليومي ينكمش ويفقد جزءا من قيمته.
في غضون 6 أشهر منذ عودة الحكومة إلى عدن وحتى اليوم فقد الريال حوالى 40 بالمئة من قيمته.
الوضع خارج السيطرة للأسف، وسيستمر الانهيار على المدى القريب على الأقل، فالمتوسط ربما، ووصول الدولار سقف 1000 ريال ليس النهاية.. وهو مرشح لارتفاع مطرد.
سيكون التراجع مجرد أساليب قذرة بيد كبار الصرافين الذين يروجون إشاعات تلعب على نفسيات المواطنين وتخفيض الأسعار للشراء لنهب مدخراتهم ثم معاودة الارتفاع إلى مستويات أبعد..
سيسمعون خبرا عن اجتماع في الرياض يروجونه لخفض السعر خلال 24 ساعة ينهبون من خلاله ما أمكن لهم، ثم يعود للارتفاع..
السوق أصبحت محكومة بعصابات بلا رقيب، في ظل بنك مركزي عاجز، وفروع عقيمة، ومستثمرين مصرفيين نافذين ومنفلتين ومقامرين، وليس ببعيد نفوذ ميليشيا الحوثي في المضاربة بأسعار العملة، خصوصا أن مشرفيها نهبوا -وما يزالون- مئات الملايين من الريالات من الطبعة الجديدة من المواطنين ليس لاتلافها، ولكنهم ذهبوا للمضاربة بها في اسواق الصرافة في مناطق الشرعية، أو أعادوها مقابل الغاز، مع أن شركة الغاز كانت معنية بالنظر في أمر كهذا.
وكارثة كهذه ستكون تبعاتها وخيمة على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والإنساني، والأمني، وعلى الاستقرار الهش إجمالا.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك