في صباح الخميس قرأت تعليقا لأحد الأصدقاء الذين افترض أن لديهم الوعي والابتعاد عن مجاراة الخطاب العرقي بخطاب عرقي مضاد.
يقول صاحبي معلقا على تلك الإجراءات المدانة التي تمت في حق الفنان الأستاذ فؤاد الكبسي، الذي تم إيقافه ومصادرة آلاته الموسيقية وتلفونه من قبل نقطة تفتيش في الحديدة، فقال صديقي ما نصه: (فؤاد الكبسي من نفس السلالة الهاشمية هذا إذا لم يكن تمييز بين السادة ولهذا أيسدوا بيناتهم البين)!
فكم هو محزن أن نصل إلى هذا الحد من الفرز العرقي المقيت، فالسلالية أخطر آفة تهدد المجتمع وتعمل على تمزيق نسيجه المجتمعي، والأخطر من ذلك تلك الدعوات التي تستند إلى نصوص دينية ما أنزل الله بها من سلطان.
ففي ظل تلك الدعوات التي تقطر صديدا وقيحا التي صم آذاننا بها دعاة التمييز السلالي الذين لا يفتأون في مهاجمة السلالية من منطلق سلالي أقبح؛ وهم يتلون قوله سبحانه:《إن أكرمكم عند الله أتقاكم》وعشرات الآيات التي تؤكد أن الناس سواسية وإخوة من أب سجدت له الملائكة، وهو نسب لا يدانيه نسب، وما أعظم ذلك الحديث المنسوب للرسول عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام الذي ينص على أن الناس سواسية كأسنان المشط.... إلخ.
لكن البعض يصر على اتباع روايات مناقضة ما أنزل الله بها من سلطان كرواية: "العرق دساس.. الخ".
وفي مجتمعنا كما في بقية المجتمعات العربية والإسلامية والدول الإفريقية المتخلفة، إذا ما رغب شاب ما من أسرة فقيرة أو من أصحاب الحرف أن يتقدم للارتباط بالزواج من بعض الأسر التي تطلق على نفسها (أبناء الأصول) فإنهم يشيعون في هذا الشاب الإحباط والقنوط، حين يكون من أسرة غير معروفة لديهم، كأن يكون من أصحاب المهن، أو من منطقة أو محافظة غير محافظتهم، فنجدهم يقلّبون صفحات كتب الأنساب للبحث عن الأصل والفصل والفخذ والبطن وألوان العرقوب!، ويسألون عن أسرته وهل هم أصول أم غير أصول حسب المفاهيم السائدة في المجتمع.
والحقيقة أن أغلب الأسر والقبائل قد تجاوزوا هذه النقطة عندما يكون هذا الشاب ثريا فسرعان ما يظهرون له نسبا قديما والبحث عن مبرر لقبوله صهرا.
كما أن أثرياء ممن كان المجتمع لا يعتبرهم من بيوت الأصول نجدهم يبالغون في الكرم والعطاء والسخاء لتلك الأسر التي يرغبون مصاهرتها.
وهذه عادات سربت إلى الإسلام من الجاهلية.
ففي بعض البلدان العربية والإسلامية لا نجد التفرقة بين الأعراق على مستوى المهن عدا التمييز القرشي العلوي.
ففي العراق هناك جزارون ومزاينة من أصول هاشمية..
بينما في يمن الحكمة والإيمان يكون أول سؤال هل الشاب المتقدم للنسبة ابن أسرة معروفة أم لا؟
وإذا كان قبيلي أو ابن ناس، فيسألون من هم أصهارهم وإذا وجد أنهم ناسبوا (صاهروا) من غير الأصول رفضوا ذلك الشاب وأشاعوا في نفسه الإحباط!!.
وقد ناقشت هذا مع صديق فسرد لي أحاديث تعزز ذلك التمييز المقيت وهي مسألة كفاءة النسب في الفقه الإسلامي؛ فالعربي غير كفء للقرشية وأن القرشي كفء للقرشية.. الخ.
منها الحديث الذي ناقشه ابن حجر في كتابه الموسوم {بلوغ المرام} عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {القرشيون أكفاء بعضهم والعرب بعضهم أكفاء بعض، والموالي بعضهم أكفاء بعض، إلا حائكا أو حجاما} رواه الحاكم.
وقد أوجب الكفاءة في النسب كل من الشافعية والحنابلة والمالكية وقال الشافعي بعدم كفاءة غير القرشي للقرشية.
وقد هدد مروان عامله الحجاج بأنه سوف يخصيه لو تزوج بالعلوية التي كان ينوي الزواج منها، وهذه العادة عززوها بأحاديث عن الرسول وهي في الصحيحين والأمهات الست يستوجب مراجعتها.
ومن أخطر ما وقفت عليه ما كتبه العلامة الشوكاني، حيث قال في كتابه المسوم ب(أدب الطلب) بأن العلم محرم على العطارين وأصحاب المهن والحرف وأن على مشايخ العلم طرد أصحاب المهن من مجالس دروسهم، والأبشع من هذا هو ما تضمنته الارجوزة المفزعة المنسوبة لعبدالله بن حمزة التي انتقدها أشد نقد العلامة والأديب الكبير المغفور له بإذنه تعالى أحمد الشامي، تلك الأرجوزة المفزعة التي ورد فيها حصر الحكم على الفاطميين فقط.
وكثيرة هي الأحاديث التي تعزز فكرة التمييز العرقي التي ما أنزل الله بها من سلطان وبالتالي لم يأت دعاة التمييز في هذه الأيام بجديد بدعة ولا مقالة اخترعوها، فنحن نعاني من موروث موبوء بالتمييز العرقي، وهو موروث تحول إلى دين وعقيدة لها جذورها في الفرعونية واليهودية واليونانية؛ وقد انتقلت إلى تراثنا نحن المسلمين بما في ذلك حديث تباهي الرسول بنسبه، حاشاه عليه وعلى آله الصلاة والسلام ذلك، فقد رووا أنه قال: "أنا خيار من خيار" وقال في حديث آخر: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام" وحديث "الإمامة في قريش"، ومئات الأحاديث التي ما أنزل الله بها من سلطان؛ والتي تؤكد صحة ما نذهب إليه من ضرورة مراجعة التراث في ضوء كتاب الله العزيز وما جاء له ذكر أو معنى في كتاب الله.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك