د. صادق القاضي
جرحى الحرب في تعز.. ضحايا أم جناة.؟!
كل أطراف الحرب في اليمن: الحوثي، المجلس الانتقالي، المقاومة في الساحل الغربي، المقاومة في مأرب.. لديها جرحى حرب، وكلٌ منها يتعامل مع جرحاه بالطرق المهنية التقليدية.
جرحاها. بدورهم. مجرد جرحى. ليس لديهم مطالب وأنشطة خارج حالتهم الصحية، فلا ضوضاء، ولا مشاكل، ولا أزمات.. تتعلق بهذه النقطة لدى أيّ من هذه الأطراف.
فقط. جرحى "جماعة الإخوان" في تعز. ملأوا الدنيا بالضجيج والصراخ، وشغلوا الناس بالأزمات والمشاكل، وأزعجوا العالم بالصخب والقلق.. كحالة نشاز استثنائية في تاريخ الجرحى على مستوى اليمن والعالم..!
في العادة، الجريح. شخص مريض ضعيف. طريح الفراش، ولا يتحرك بعيداً عن المستشفى أو البيت، إلا بعد شفائه تماماً، ومرور فترة النقاهة، وفي هذه الحالة يفقد صفة الجريح، ويسقط من خانة الجرحى.!
وبخلاف العادة. جرحى تعز. أصحاء أقوياء أشداء..يركضون كالخيول، ويندفعون كالبغال، ويتقافزون كالنسانيس، ويهجمون كرجال العصابات.. وما زالوا في عداد الجرحى، بل يمثلونهم، وباسمهم:
يتظاهرون في الميادين، ويقطعون الشوارع، ويحرقون الإطارات، ويغلقون المكاتب الحكومية، وفي كل مرة يقتحمون مكتب المحافظة.!
في العادة أيضاً: الجريح له مطالب صحية علاجية.. بينما جرحى تعز لديهم مطالب من كل نوع: سياسية واجتماعية واقتصادية وإدارية وأيديولوجية.. فيطالبون:
مرة بإقالة مسئول حكومي محسوب على حزب سياسي معين، ومرة بتعيين مسئول من حزب آخر. ومرة بمنع نشاط حزب ثالث..
منعوا مرة حزب المؤتمر من إقامة حفل حزبي بمناسبة تأسيسه، ورفع صورة مؤسسه على عبد الله صالح.!
أغلقوا مرة مكتب الجوازات، واعتدوا مرة على مكتب المالية.. وهكذا.. وصولاً مؤخراً إلىقيام رئيس رابطتهم بتهديد مدير مكتب التجارة والصناعة بالويل والثبور.!
هؤلاء لم يعودوا جرحى.. بل أصبحوا بلاطجة.!
هل يعني هذا أنه لا يوجد جرحى حقيقيون في تعز. وليس لديهم قضية.؟!
لا. مطلقاً. جرحى تعز بالآلاف، أعرف بعضهم، قضيتهم تدمي القلب: يعانون الأمرين من الإهمال والجحود، لا يجدون أحيانا حتى مقابل حفاظات وأدوية أولية، بعضهم في مصر والهند.. لا يجدون قيمة الأكل، فضلاً عن إيجار السكن. يشكون لكل أحد، لكن يبدو أن لا أحد يهمه الأمر.!
لا مجال لمقارنة ظروفهم المزرية هذه بظروف جرحى الأطراف الأخرى. لا تتعلق المسألة بالإمكانيات، عدد جرحى تعز أقل، من جرحى الحوثي، وظروفهم أسوأ، رغم إمكانياتهم الأعلى. نتحدث هنا عن ميزانية هائلة متعددة الموارد والمخصصات:
- ميزانية خاصة ثابتة من الدولة تقدر بالمليارات..
- نسبة من إيرادات كل مؤسسة إيرادية في تعز: البطائق. الجوازات. الضرائب، الجمارك.. أقله ألف ريال. على كل جواز وبطاقة.
- خصم أجر يوم من الرواتب الشهرية لكل الموظفين في المحافظة، حتى من رواتب القطاع العسكري.
- كذلك الدعم المناسباتي من ميزانية المحافظة، تصل أحيانا إلى مئات الملايين.
- ومثلها التبرعات الداخلية والخارجية..
- بالإضافة إلى عائدات الابتزاز: مرة يخرجون بدعم قدره 100 مليون ريال، من جهة معينة، ومرة بخصم قسط إضافي من رواتب الموظفين، وهكذا..!
في المحصلة. هناك ميزانية مهولة كافية لرعاية كل جرحى الحرب في اليمن، بحيث يتلقى كلٌ منهم العلاج في الخارج والداخل بشكل نموذجي، وبعد الشفاء يستلم هدية لائقة. سيارة مناسبة لتنقلاته. كما يحدث لجرحى المقاومة في الساحل الغربي.
المشكلة في تعز. أن هذه الميزانية الضخمة في يد لاعبين كبار وصغار. بلا ضمير: اختزلوا الجرحى في "رابطة"، وحولوا الرابطة إلى عصابة، ومن خلالها حولوا الجرحى من مستحقين لصرف المال، إلى أدوات لجمعه، فضلا عن توظيفهم للمزايدة والابتزاز والاسترزاق وتصفية الحسابات السياسية.!
ولهذا لا يمر يوم تقريبا دون أن نسمع عن مشاكل ومطالب وخصومات ومعارك.. تخوضها هذه الرابطة "العصابة".. التي تتصرف لا كممثلة عن مجموعة من المرضى، بل كجناح في حزب سياسي.!
وهي كذلك فعلاً. جماعة الإخوان، تعاملت مع كل القيم والقضايا النبيلة في تعز، بانتهازية خالصة، حتى قضية الشهداء، زايدت بتضحياتهم وعددهم، وسرقت تعويضات أسرهم، ولو بوسعها لأخرجت الشهداء من القبور، وجعلت منهم عصابة قطاع طرق. أو تسولت بهم في المطاعم والأرصفة.!.