تبدو صنعاء مدينة خضراء، لافتاتها خضراء، سياراتها خضراء، أرصفتها خضراء، مبانيها خضراء، معظم جدرانها خضراء، إضاءاتها خضراء، مساءاتها خضراء، وكل أشيائها خضراء، وحدها السماء لا زالت على لونها وعهدها وولائها لكينونتها وأصلها بعد أن عجزوا حقًا عن جعلها خضراء.
ولكن، هل تظنون اللون الأخضر دليلًا على الإيمان المطلق وحب الجماهير للنبي الكريم؟!
هل تظنون الناس يتلونون بهذا الشكل المفضوح وفقًا لرغباتهم وقناعاتهم؟!
ماذا يعني اللون الأخضر في أشد مراحله الحالكة؟!
ربما أنهم يظنون الأمر انتصارًا كاسحًا لأفكارهم وسلطاتهم وبقائهم الأبدي؟
وربما أنهم يحسبون اللون الأخضر ديمومة الملك الحالك في مدينة الجبناء؟!
ماذا أيضًا؟
دعوني أخبركم:
المولد النبوي الأخضر، ليس موسمًا للحب الشعبي الصادق لرسول الله، بقدر ما هو موسم انتهازي لفرض المزيد من الجبايات، وأخذ الكثير من النفقات.
أدري أن الجميع يعرف هذا، ولكن وبعكس الرائج من الحديث، تخيلوا أن رسول الله هو من يأخذ أموال الناس بالباطل، ويلزمهم تلوين بواباتهم وشوارعهم وجدرانهم بلونه الأخضر، هل الإرغام هنا سيحدث بمعنى الحب والقبول، أم سيحاول الناس التحدث لنبيهم باطمئنان؟
هل سيرفضون لأنهم يعلمون جيدًا رحمة رسولهم وطيب قلبه وبعثته المخلصة للعالمين، أم سيرضخون ويسكتون ويتجاهلون ما يجول في عقولهم عن الظلم والاستغلال، كما يحدث اليوم؟!.
وعليه هل الجبايات والسرقات اليوم تأتي من رسول رحيم أم من بشر طغاة يستغلون النبي الرحيم؟!
وهذا ما يحدث..
التثقيل على الناس وتحويلهم إلى كائنات خضراء ليس له معنى أكثر من كونه نزعة سلطوية طاغية لترسيخ ديمومتها على الأرض، نزعة يقوم بها أشخاص محسوبون على مجموعة أشخاص آخرين يلتهمون الملايين ويجمعون المليارات بالقوة، ليثبتوا ولاءهم وقربانهم لرأس الجماعة وآل بيته وسلطته ومشروعه العالمي.
وفي الحقيقة هم يسيئون لأنفسهم أولًا، ويضطهدون المواطنين باسم الحركة الحاكمة الموهومة بممارسات الرجال الصادقين، الرجال الذين يستغلون المناسبة الدينية ليجمعوا الثروات ويبنوا العمارات ويؤكدوا الولاء المزيف والانتماء الانتهازي لرأس الجماعة التي يتعاملون معها على أساس ما يجمعونه لهم، وما يظنون أنفسهم فيه صادقين، كمجرد راكبين للموجة بعد تسخيرها لمصالحهم ونفوذهم التي يعلمون جيدًا أنها مؤقتة، ومؤقتة جدًا..
لا أحد يبالغ في المظاهر الباذخة لأجل الشعور المزيف تجاه رسول كريم والاحتفال به.
الجميع هنا يستجيبون للسلطة ورجالاتها بدافع الخوف وتجنب التهم الجاهزة، فيدفعون الملايين لأشخاص مجهولين يزعمون أنهم يمثلون رسول الله.
رجال يأخذون الأموال ثم يغادرون، دون وثائق معلومة أو سندات رسمية، ليأتي من بعدهم اللاحقون ويقولوا إنهم من جهة رسول الله، ويطلبوا المزيد من الأموال، ومن لم يدفع لرسول الله أغلقوا بابه واتهموه بخيانة الولاء الشعبي للرسول.
هذا ما يجري في مدينتنا الخضراء، خوف حالك لونه أخضر، وكلما زاد الخوف زاد اللون الأخضر، وحينما يطغى الأخضر على المدينة يسيطر التذمر في جوانبها الصامتة، لكنه تذمر العاجزين، بينما يحاولون مراعاة مصالحهم وحياتهم واستقرارهم لأجل السلطة الطاغية، الخوف الحالك، هو ضوء المدينة الأخضر بينما يغشاها بالقوة ويسيطر على تفاصيلها، ويستبيح ملامحها وكينونتها واطمئنانها وهويتها المطمورة في قلوب المواطنين.
ولكن هل الخوف المتفاقم يبعث على الحب أم ينبئ بعواقب التجارب المنهارة بعد أن كانت حالكة في حياة الناس؟
هل يتحول الخوف والرضوخ إلى قناعة عامة وحب شعبي حقيقي؟!
لا أظن الناس يقتنعون بما يجري لهم، ولا أعتقد أنهم يتجاهلون ما يجري بهم، خصوصًا وأموالهم واستقرارهم وعدم اطمئنانهم ثمنًا لما يجري وما يحدث، هذه الجبايات لا تعني تعميق الولاء، والممارسات الانتهازية لا تعني قطعًا حبًا لرسول الله، واللون الأخضر كلما زاد لا يعني أبدًا أن الأخضر يعني ديمومة المستقبل!.
الأمور بعكس ظاهرها تمامًا..
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك