حينما وُقِّع اتفاق الرياض، كانت الأهداف الأساسية من توقيعه هي:
1. إيقاف المواجهة بين القوات العسكرية المقاومة للمشروع الحوثي وبالذات تلك التي كانت تخوض حرباً لا معنى لها في محافظة أبين.
2. معالجة ملف الخدمات في محافظات الجنوب المحررة وخصوصاً الخدمات الطبية والبلدية وخدمات الكهرباء والمياه والتموين وغيرها.
3. دفع مرتبات الموظفين والمتقاعدين المتوقفة من عدة أشهر (حينها) والتي جاوزت السنوات، اليوم بعد مضي ما يقارب السنوات الثلاث على توقيع الاتفاق.
4. حشد كل القوات والمقدرات العسكرية واللوجستية لمواجهة المشروع الحوثي ودحره من مناطق انتشاره على طريق استعادة العاصمة اليمنية صنعاء واستعادة الدولة اليمنية من سطوة الجماعة الحوثية.
5. عودة مؤسسات الدولة إلى العاصمة عدن وتفعيل دورها التنفيذي والسياسي والخدمي والعسكري والأمني.
حينما وُقِّع الاتفاق كانت قوات الشرعية على بعد 30 كم من قلب صنعاء وكان نصف محافظة البيضاء وكل مارب والجوف ونصف صنعاء المحافظة تحت سلطة (جيش الشرعية "الوطني")، وكانت عشر قذائف مدفعية مدعومة بعدة طلعات جوية من طيران التحالف مع زحف مخطط للقوات البرية كان كافيا لاستعادة صنعاء ومواصلة تحرير بقية محافظات الشمال، وكان التنفيذ الفعلي لاتفاق الرياض يكفي لدحر الجماعة الانقلابية واستعادة شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، لكن الطرف الشرعي، وبدلا من القيام بواجباته هذه، سلم ما تبقى من مديريات صنعاء (المحافظة) ومحافظة البيضاء وكل محافظة الجوف وأغلب مديريات محافظة مأرب وأخيراً مديريات بيحان الثلاث للحوثيين.
وبمعنى آخر فإن الشرعية (وبالتحديد قيادات "جيشها الوطني") قد نفذت اتفاق الرياض على طريقتها وكما أراد القادة الخاطفون لهذه الشرعية، من خلال تسليم كل تلك المساحات البالغة آلاف الكيلومترات المربعة للحوثيين وبعضها سُلِّمَت بلا مقاومة، ما عدا حيثما قاوم المواطنون ورجال القبائل الأبطال كما في مديريات البيضاء الشمالية وجبل مراد والعبدية والجوبة وبعض مديريات الجوف.
ما تم تنفيذه فعلياً من اتفاق الرياض هو أجزاء مقتطعة من بين قضايا استراتيجية مهمة، فتشكيل حكومة مناصفة بين الشمال والجنوب، وتعيين محافظ ومدير أمن لعدن وأشياء أخرى صغيرة لا تعني شيئا بالمقارنة مع ما خسرته الشرعية من أراض وما سقط من ضحايا وشهداء وجرحى في مناطق المواجهات، وما يعانيه المواطنون في مناطق الجنوب جراء عدم تنفيذ أهم البنود وهو توفير الخدمات الضرورية ودفع المرتبات الشهرية للموظفين والمتقاعدين (وهو مصدر معيشتهم الذي لا بديل له لديهم) على تفاهة مقدارها وقلة قيمتها الشرائية.
ولا بد من الإقرار أن كثيراً من القضايا التي تضمنها الاتفاق قد استنفدت إمكانية التنفيذ بعد المتغيرات التي طرأت على الأرض، ولم يتبق من اتفاق الرياض ما يمكن الحديث عن تنفيذه ليس لأن هذا التنفيذ قد تم، بل لأن المتنفذين في قرارات الشرعية قد غيبوا شروط التنفيذ، فلا الجيش "الوطني" نجح في الدفاع عن الأرض، ولا قوات 1994م تحركت من وادي وصحراء حضرموت للدفاع عن مأرب ودحر الحوثيين من مناطق سيطرتهم، ولا سمح هؤلاء المتنفذون للرئيس بتعيين محافظين ومديري أمن جدد لثماني محافظات، حتى لا يخسروا محافظَين أو ثلاثة ومثلهم من مديري الأمن، ولا هم وفروا الخدمات الضرورية لحياة المواطنين في المناطق المحررة.
وما يعيق تنفيذ اتفاق الرياض هو أن المناط بهم هذا التنفيذ يفترض أن يكونوا في أقفاص الاتهام بالخيانة الوطنية بعد أن فرطوا بثلاث محافظات ويستعدون للتفريط بالرابعة لتسليمها للعدو، فأمثال هؤلاء هم أناس غير مؤتمنين حتى على الشراكة بحانوت للمواد الغذائية وليس في بلد يقطنها ثلاثون مليونا وتزيد مساحتها عن خمسمائة ألف كيلو مترا مربعاً.
وأخيراً.. هناك سؤال ملح يطرحه آلاف المهتمين بالشأن السياسي والعسكري في اليمن جنوباً وشمالاً، وعلاقة التحالف العربي بما يجري، وخصوصاً موقف المملكة الشقيقة، وهو سؤال يتفرع إلى عدة أسئلة فحواها:
هل أجرت المملكة الشقيقة كقائد للتحالف العربي جرداً وافياً للمكاسب والخسائر التي حققتها في حربها؟
وهل قَيَّمَت أسباب الخسائر والانتكاسات التي تعرضت لها؟
وما الاستخلاصات التي يفترض أنها توصلت إليها؟
وما الإجراءات التي ستتخذها في ضوء تلك الاستخلاصات؟
إنها أسئلة يفترض أن المختصين من الأشقاء قد درسوها وأجابوا عليها منذ حادثة صالة العزاء والمعلومات المغشوشة التي تقدمها لهم القيادات اليمنية في الرياض، قبل سقوط نهم والجوف والبيضاء ومأرب وبيحان.
*من صفحة الكاتب على الفيسبوك