صرخة من الضباب إلى الكدحة.. أزمة النفايات تضرب تعز وتفضح فشل التخطيط البيئي

السياسية - منذ 4 ساعات و 17 دقيقة
تعز، نيوزيمن، خاص:

تعيش محافظة تعز منذ سنوات أزمة متفاقمة في ملف إدارة النفايات، تعود جذورها إلى الحصار المفروض من قبل ميليشيا الحوثي، والتي تمنع عربات نقل القمامة من الوصول إلى المكب الرئيسي الكائن في مفرق شرعب، الخاضع لسيطرتهم. ومع تزايد الكميات اليومية للنفايات داخل المدينة، أصبحت تعز مهددة بكارثة بيئية وصحية، نتيجة تراكم القمامة في الشوارع والأحياء، ما يهدد بتفشي الأمراض والأوبئة، ويثقل كاهل المؤسسات الصحية والخدمية في المدينة.

وفي محاولة لإيجاد حل مؤقت، لجأت السلطة المحلية إلى إنشاء مكب بديل في منطقة الضباب، إلا أن قربه من المناطق السكنية ومجاري السيول جعله خيارًا غير مثالي، بل وأدى إلى تفاقم الأضرار البيئية لسكان المنطقة.

مكب دائم 

ضمن جهودها للبحث عن حل مستدام، أعلنت السلطة المحلية عن بدء تنفيذ مشروع إنشاء مكب نفايات جديد ومصنع لتدوير المخلفات في منطقة نقيل الكدحة، غرب تعز. وتم تحديد الموقع الجديد بناءً على توجيهات محافظ المحافظة نبيل شمسان، بحضور قيادات من صندوق النظافة والتحسين وهيئة الأراضي. وتهدف المبادرة إلى وقف الاعتماد على موقع الضباب المؤقت، وتوفير مركز دائم لمعالجة النفايات المتراكمة بشكل أكثر كفاءة وأقل ضررًا بيئيًا.

وأوضحت مديرة صندوق النظافة، افتهان المشهري، أن المساحة المخصصة للمكب الجديد تتجاوز 25 ألف متر مربع، وتشمل مرافق متكاملة لمصنع تدوير، مؤكدة أن المشروع يأتي ضمن خطة استراتيجية لحل مشكلة النفايات المزمنة، وتعزيز جهود التنمية وتحسين جودة البيئة في تعز. وقد بدأ فريق هندسي بأعمال المسح وتحديد حدود الموقع، تمهيدًا للبدء بإنشاء السياج وتهيئة الموقع خلال الأيام المقبلة.

رفض شعبي 

لم تمر خطوة اختيار نقيل الكدحة كموقع للمكب الجديد دون اعتراضات، إذ أعلن أهالي منطقتي العفيرة والمشاولة السفلى رفضهم القاطع لإنشاء مكب نفايات في منطقتهم السكنية والزراعية. وفي بيان صادر عنهم، اعتبر السكان أن المشروع يهدد حياتهم وبيئتهم ومصادر مياههم الجوفية، محمّلين الجهات الرسمية المسؤولية عن أي أضرار تلحق بهم.

وأكد الأهالي أن منطقتهم لا تحتمل أي مشاريع ذات أثر بيئي سلبي، مشيرين إلى أن المنطقة تعتمد بشكل كبير على الزراعة وتربية المواشي، ما يجعلها غير مناسبة تمامًا لإقامة مكب نفايات كبير بهذا الحجم.

في تطور لافت، خرجت الهيئة العامة لحماية البيئة في تعز عن صمتها، مشيرة إلى عدم إشراكها في أي من مراحل اختيار الموقع الجديد لمكب النفايات. وقال مسؤولون في الهيئة إن هذا التجاوز يُعد مخالفة صريحة للدور الرقابي والتقييمي للهيئة، والذي يُفترض أن يسبق تنفيذ أي مشروع قد يترك آثارًا بيئية.

وأوضح مسؤولو الهيئة أن الموقع الجديد يجب أن يُختار وفق معايير واضحة، منها الابتعاد عن التجمعات السكنية، ومجاري السيول، والأراضي الزراعية، فضلًا عن مراعاة التنوع البيئي والحياة البرية، مؤكدين أن أي قرار لا يراعي هذه الاشتراطات قد يؤدي إلى مضاعفة الكارثة البيئية بدلاً من حلها.

الكدحة ليست مكب

أثارت خطة إنشاء المكب الجديد ومصنع تدوير النفايات في الكدحة موجة غضب واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر نشطاء حقوقيون أن هذا القرار يُشكل استخفافًا بمعاناة المنطقة، التي تعرضت لسنوات من الإهمال والنزوح والألغام.

الناشط الحقوقي أحمد النويهي هاجم القرار بشدة، قائلًا: "السلطة المحلية في تعز تقرر مكافأة الكدحة بمحرقة نفايات، بعد أن صمدت وواجهت آلة الحرب الحوثية... الكدحة لا تستحق هذا العقاب". وأشار إلى أن المنطقة تعاني من غياب كامل للبنية التحتية والخدمات، وأن نقل نفايات المدينة إليها سيحولها إلى "مستوطنة أوبئة"، على حد تعبيره.

من جانبه، قال الصحفي أشرف المنش إن الكدحة لا تزال معزولة عن المياه والكهرباء والخدمات التعليمية، مستغربًا كيف يُكرّس مشروع نفايات في منطقة لم تنل حتى أبسط حقوقها التنموية.

وتظل أزمة النفايات في تعز واحدة من أبرز التحديات البيئية والخدمية التي تواجه المدينة في ظل حصار مستمر وخيارات محدودة، لكن طريقة التعامل مع هذه الأزمة تفتح أبوابًا واسعة للنقاش حول العدالة في توزيع الأعباء، وضرورة إشراك المجتمعات المحلية والجهات المختصة عند اتخاذ قرارات ذات طابع بيئي، تتعلق بصحة الإنسان وسلامة الطبيعة.