البيئة ملوثة والمزارع مسمومة.. صنعاء تواجه كارثة غذائية بتواطؤ حوثي

الحوثي تحت المجهر - منذ 4 ساعات و 6 دقائق
صنعاء، نيوزيمن:

رغم المناشدات وتكرار المطالبات بوضع حلول جذرية للمشكلة، إلا أن مشهد عدم الا مبالاة من قبل قيادات ميليشيا الحوثي بحياة المواطنين وصحتهم هو العنوان الرئيسي الذي تتخفى من خلفها الشعارات الرنانة بحماية المواطنين وتوفير لهم الخدمات والتصدي لأي أعمال قد تهدد حياتهم ومستقبل أبنائهم.

وماً بعد يوم تتكشف آثار الإهمال والتجاهل الذي تمارسه الميليشيات الحوثية في صنعاء، ما جعلها سبباً مباشراً في تفشي الأمراض والأوبئة داخل المدينة التي تعرضت للاجتياح في العام 2015. الميليشيا تعمل بشكل ممنهج على تدمير المنظومة الصحية، فلا صحة متاحة، ولا دواء متوفر، بل ما هو أسوأ من ذلك، استمرارها في توفير البيئة المثالية لانتشار الأمراض بين السكان، سواء بالإهمال أو التعمد، وسط صمت وتواطؤ مريب من الجهات المختصة.

منطقة الرحبة شمال صنعاء عادة لتتصدر مشهد الكارثة الصحية بصفتها بؤرة رئيسية لتفشي الأوبئة، بسبب ري مزارع الخضروات بمياه الصرف الصحي غير المعالجة، في ظل غياب الرقابة الرسمية من السلطات الحوثية المسيطرة على وزارتي الصحة والزراعة.

وبحسب مصادر طبية مطلعة في صنعاء، فإن الخضروات التي تنتجها هذه المزارع، وتُوزّع على نطاق واسع في أسواق العاصمة والمحافظات المجاورة، تسببت بشكل مباشر في انتشار عشرات الأمراض الخطيرة، من بينها الزحار، والتهاب الكبد الفيروسي، والإسهالات المائية، وأمراض الكلى، والبلهارسيا.

وأوضحت المصادر أن قيادات حوثية معينة بمناصب عليا في وزارة الصحة بصنعاء متورطة في هذه الكارثة، من خلال تجاهلها المتعمد والمتكرر للتقارير الصحية وللتحذيرات التي يطلقها الأطباء والمختصين، الذين طالبوا مرارًا بإيقاف استخدام المياه الملوثة في الزراعة. وأشارت المصادر إلى عدة مستشفيات حكومية بينها مستشفيي الجمهورية والثورة وهما أكبر المستشفيات الحكومية في صنعاء يرفعان طوال السنوات الماضية تقارير دورية إلى وزارة الصحة الحوثية، تحذر من العلاقة المباشرة بين مزارع "الرحبة" وتفشي أكثر من 20 مرضًا وبائيًا، لكن الرد الرسمي كان دائمًا "الصمت والإهمال".

وأكدت المصادر أن نتائج الفحوصات المخبرية كشفت عن تلوث الخضروات المزروعة هناك بكميات عالية من المواد السامة مثل الرصاص والكادميوم، إلى جانب بكتيريا وفيروسات قاتلة، وهو ما يحوّل هذه المنتجات الزراعية إلى قنابل موقوتة تُباع في الأسواق دون أدنى رقابة صحية.

ويقول أحد المواطنين القاطنين بالقرب من المنطقة: "التلوث الزراعي في منطقتي الرحبة والروضة شمال شرق صنعاء أصبح أمرًا لا يمكن تجاهله أو السكوت عنه".

وأضاف: "نحن نعلم أن هناك مزارعين، مدعومين من قيادات حوثية، يقومون بريّ الخضروات بمياه الصرف الصحي التي تتجمع على أطراف تلك المناطق، خصوصًا في الرحبة والمطار، وهذا الأمر بات يُمارس بشكل علني دون أي رادع أو مراعاة لصحة الناس".

وأكد أن بعض المزارعين يستخدمون خراطيم طويلة لتوصيل المياه من مصبات المجاري مباشرة إلى المزارع، قائلاً: "الخضروات مثل البقل، والطماطم، والجرجير، التي تُزرع بهذه الطريقة لم تعد صالحة للاستهلاك البشري، بينما الجهات الرقابية غائبة تمامًا وكأن صحة الناس لا تعني شيئًا لهم".

ويعود أصل الكارثة إلى توقف محطة معالجة الصرف الصحي في صنعاء بشكل نهائي أواخر عام 2024، بعد سنوات من العمل الجزئي عقب اندلاع الحرب. إلا أن الميليشيا، بدلًا من وقف الأنشطة الزراعية في المنطقة، سمحت بتوسيع المزارع في الرحبة، حتى باتت تمثل اليوم نحو ثلث المساحات الزراعية شمال العاصمة، في تجاهل كامل للعواقب الصحية والبيئية الوخيمة.

ويحمّل الأطباء ومراقبون صحيون، وزارة الصحة ومكتب الزراعة التابعين للحوثيين، المسؤولية الكاملة عن هذه الكارثة، مؤكدين أن استمرار السماح بهذه الممارسات الخطيرة يمثل جريمة بحق الصحة العامة، ويعرّض حياة الملايين للخطر.

وفي ظل استمرار حظر وسائل الإعلام المحلية من تناول الملف أو التحقيق فيه، تنتشر الخضروات الملوثة في أسواق صنعاء وتُباع بشكل طبيعي، دون أي تحذيرات أو ملصقات أو رقابة، ما يعرّض آلاف الأسر اليمنية لتسمم بطيء وممنهج، بينما تستمر سلطات الحوثيين في التزام الصمت تجاه أخطر أزمة صحية تهدد سكان صنعاء.

كما أن مختصين في الصحة والبيئة أطلقوا تحذيرات من أن استمرار هذه الكارثة دون تدخل قد يقود إلى انهيار شامل في الوضع الصحي بصنعاء، مطالبين الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية بالتدخل الفوري للضغط على الحوثيين لوقف هذه الممارسات، وإعادة تشغيل محطة المعالجة، وفرض رقابة صارمة على المنتجات الزراعية لضمان سلامتها، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح المواطنين الذين أصبحوا ضحايا مباشرين لفساد واستهتار السلطات الحوثية.