متحف ظفار بين الإهمال والنهب.. تاريخٌ يصرخ في وجه النسيان
السياسية - منذ 6 ساعات و 44 دقيقة
في قلب محافظة إب، يقف متحف ظفار شامخًا رغم جراحه، محاطًا بسياج من الإهمال المتعمد واللامبالاة الرسمية، ومحاصرًا بعصابات النهب والتجريف التي تعبث بآثاره وقطعِه النادرة، وكأنه على موعد مع "لعنة التاريخ" التي تطارد من يحاولون اغتيال ذاكرة اليمن العريقة.
ورغم أن المتحف يضم إرثًا حضاريًا يعود إلى الدولة الحميرية، إلا أنه اليوم يواجه خطر الاندثار، وسط صمت مطبق من سلطات الأمر الواقع، التي تحولت من مسؤول عن الحماية إلى متهم بالمشاركة في عمليات السطو المنظم.
الناشط اليمني نبيل علوان نشر صورًا حديثة على صفحته في "فيسبوك" تكشف حجم الإهمال الذي يعيشه المتحف والقطع الأثرية داخله، حيث بدت مهملة، متآكلة، وقد أحاط بها الغبار وغياب أي أعمال صيانة أو ترميم، في مشهدٍ يختصر حال التراث اليمني في مناطق سيطرة الحوثيين.
مصادر محلية في إب اتهمت بشكل مباشر قيادات حوثية بالوقوف خلف عصابات متخصصة في التنقيب العشوائي والتجريف، مؤكدة أن عشرات المواقع الأثرية في منطقة ظفار وما حولها تعرضت مؤخرًا لعمليات نهب منظمة، جرى على إثرها نقل بعض المقتنيات إلى صنعاء تمهيدًا لبيعها في الخارج.
واعتبرت المصادر أن هذه الممارسات تمثل استكمالاً لمسلسل طويل من الانتهاكات التي تمارسها الميليشيات بحق الآثار اليمنية منذ انقلابها، بدءًا من السرقة والتهريب والبيع، مرورًا بالتفجير والقصف، وانتهاءً بتحويل بعض المعالم الأثرية إلى مخازن أسلحة وثكنات عسكرية.
مصادر في الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية بصنعاء أكدت بدورها أن قيادات حوثية متورطة بشكل مباشر في تهريب مقتنيات أثرية ثمينة من إب، مشيرة إلى أن عمليات النهب لا تقتصر على المتحف فحسب، بل طالت عدة مديريات في المحافظة، في مشهد يعكس استهتارًا ممنهجًا بالقوانين الدولية التي تلزم أطراف النزاع بحماية التراث الإنساني.
الناشطون اليمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي شنوا في أوقات سابقة حملات إلكترونية تطالب المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف "الجرائم الحوثية بحق حضارة اليمن"، مؤكدين أن صمت العالم يشجع على استمرار عمليات النهب والتجريف، التي لا تهدد التراث اليمني وحده بل ذاكرة الإنسانية جمعاء.
وبحسب باحثين في الآثار، فإن متحف ظفار الذي كان يضم أكثر من 300 قطعة أثرية نادرة، بعضها يعود إلى الحقبة الحميرية (115 قبل الميلاد – 752 ميلادي)، أصبح اليوم عرضة للتجريف المستمر وفقدان جزء كبير من مقتنياته، الأمر الذي يهدد بضياع معلم تاريخي يُعد من أبرز المتاحف في اليمن، حيث كان يجمع آثار ظفار وقصر ريدان ومكتشفات أثرية أخرى ذات قيمة استثنائية.
ويحذر مراقبون من أن استمرار هذا الإهمال المتعمد، والتساهل مع عصابات النهب، يعني عمليًا المضي في مشروع ممنهج لطمس هوية اليمن الحضارية، في وقتٍ تتعامل فيه الميليشيات مع الآثار بوصفها "غنائم حرب" لا إرثًا إنسانيًا ينبغي حمايته وصونه للأجيال المقبلة.
وفي تعليقٍ على الوضع المتدهور الذي يعيشه متحف ظفار، قال الباحث المتخصص في شؤون الآثار اليمنية عبدالله محسن: "هكذا تخزَّن آثاره المتبقية بعدما نُهبت المدينة التاريخية والكثير مما فيها من آثار اليمن على أيدي مهرّبين وباحثين وعلماء وأهالٍ ورجال دولة خلال سنوات طويلة، جحود لا مثيل له!".
وأشار محسن إلى أن ما يتعرض له متحف ظفار يمثل حلقة في سلسلة طويلة من العبث الممنهج بالتراث اليمني، محذرًا من أن ضياع هذه المقتنيات يعني خسارة جزء لا يُعوّض من هوية اليمن الحضارية الممتدة لآلاف السنين.
ويُعد عبدالله محسن أبرز الباحثين اليمنيين الذين كرّسوا جهودهم في سبيل حماية الآثار اليمنية والتوثيق لها، حيث عمل خلال السنوات الماضية على نشر آلاف الصور والمخطوطات والمقتنيات النادرة عبر منصات التواصل الاجتماعي، مُعرّفًا بها ومُحذّرًا من عمليات التهريب والنهب المستمرة. كما يُعرف بمواقفه الجريئة في فضح شبكات التهريب التي تعمل داخل اليمن وخارجه، وبدعواته المتكررة للسلطات المحلية والدولية لتحمل مسؤولياتها تجاه حماية هذا الإرث الإنساني. ويرى مراقبون أن الدور الذي يقوم به محسن ساهم في إبقاء قضية الآثار اليمنية حاضرة في الوعي العام، رغم محاولات التعتيم المستمرة.