
شهدت محافظة تعز، الثلاثاء، عملية تشييع مؤثرة للمرحومة أفتهان المشهري، المديرة التنفيذية لصندوق النظافة والتحسين، في جنازة شعبية مهيبة اتسمت بالحزن والغضب، لكنها كشفت أيضًا عن وجهاً آخر من وجوه الفساد السياسي والفوضى الأمنية التي تعصف بالمدينة.
فبينما خرج الآلاف لتوديع شهيدة كانت رمزًا للعمل المجتمعي والنزاهة، تجلت ازدواجية السلطة في مشاركة قيادات حزبية وعسكرية في الصفوف الأولى للصلاة عليها والمشاركة في تشييعها، في الوقت الذي تشير الحقائق إلى تورط تلك القيادات، أبرزها من حزب الإصلاح الإخواني، في عمليات التصفية والانفلات الأمني المستمر الذي تعيشه المحافظة.
هذا المشهد المؤلم يعكس حالة من الانفلات الأمني والسياسي المستمر في تعز، حيث تُستغل الجرائم لإخفاء الفساد والحسابات الحزبية، ويستمر المدنيون في دفع الثمن، ما يؤكد الحاجة الماسة إلى مساءلة المسؤولين وكشف الحقائق لضمان العدالة واستعادة الأمن والنظام في المحافظة.
انطلقت جنازة الشهيدة من هيئة مستشفى الثورة العام، حيث استقبلتها حشود غفيرة، قبل أن تُقام الصلاة عليها في جامع السعيد وسط المدينة، وسط هتافات تطالب بالقصاص العادل ووضع حد للفوضى الأمنية التي تهدد حياة المدنيين والناشطين.
ثم توجّه المشيعون صوب مسقط رأسها في منطقة المشاولة بمديرية المعافر، حيث اصطف آلاف المواطنين على طول الطريق، بما في ذلك طلاب المدارس والنساء والأطفال، في مشهد يعكس مكانتها الكبيرة في نفوس أهل تعز وحجم الفقد الذي خلفته رحيلها.
ولم يكن المشهد مقتصرًا على المواطنين، بل شارك فيه عمال النظافة الذين عملت معهم، وهم يذرفون دموعًا حارقة، مؤكدين عمق العلاقة الإنسانية التي جمعتهم بها، وكذلك قيادات محلية وسياسية وعسكرية، وأقارب الشهيدة.
وقال الصحفي فواز منصر، الذي حضر الجنازة، إن "اليوم شيعت تعز الشهيدة أفتهان المشهري في جنازة مهيبة بعد أن اغتيلت ظلماً وغدراً، لكن المفارقة المؤلمة أن بعض من كانوا شركاء في دمها شاركوا في التشييع، باستثناء منفذ الجريمة الذي تم تصفيته للتغطية على القتلة الحقيقيين المتورطين في الجريمة.
وأضاف في منشور له على صفحته في فيسبوك: "كل يوم تتكشف حقائق جديدة عن من كان وراء اغتيالها، وكل الطرق تقود إلى قيادات من حزب الإصلاح. هذا الحزب الذي اعتاد أن يقتل ثم يشارك في الجنازة ليغسل يديه من دماء الأبرياء، لا يمثل إلا الوجه القذر للسياسة التي ابتليت بها تعز، مدينة الثقافة والسلام."
وأكد: "دم أفتهان لن يضيع وتعز ستظل تكشف وتقاوم حتى يظهر الحق وينال القتلة عقابهم وتتعافى من حزب يمثل وجه الفتنة."
ناشطون ومواطنون مشاركون في الجنازة أكدوا أن اغتيال المشهري لم يكن حادثًا فرديًا، بل يعكس استراتيجية ممنهجة لاستهداف الناشطين والمسؤولين المدنيين، مستغلين الفوضى الأمنية لحماية مصالح ضيقة وحسابات حزبية، مؤكدين أن دماءها تمثل وقودًا للمقاومة الشعبية ضد أي مشروع يسعى لزرع الفتنة وإعادة الاستبداد في المدينة.
وفي لفتة رمزية، أطلق شبان ونساء حملة لتشجير خمسة آلاف شجرة تخليدًا لذكراها، استكمالًا لمشروع بيئي كانت قد تبنته قبل اغتيالها، لتظل ذكراها حية وتكرس إرثها في خدمة المجتمع وتعكس الإرادة المستمرة لأهالي تعز في كشف الحقائق ومحاسبة القتلة.
الجنازة حملت رسائل واضحة للمجتمع المحلي والدولي، مفادها أن الفساد والفوضى الأمنية لن توقف عزيمة أهالي تعز في كشف الحقيقة، وأن المدينة، رغم كل محاولات التغطية، ستظل منارة للوعي المدني والنضال ضد كل أشكال الظلم والاستبداد.