النعمان في توثيق شامل للحظات صالح الأخيرة.. رسائل الوداع ومعنى الانتفاضة
السياسية - منذ ساعتان و 14 دقيقة
عدن، نيوزيمن، خاص:
في الذكرى الثامنة لانتفاضة ديسمبر التي انتهت بمقتل الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح على يد ميليشيا الحوثي، يصدر الكاتب والسياسي لطفي فؤاد نعمان أول كتاب توثيقي شامل يتناول الساعات الحاسمة التي سبقت رحيل صالح، تحت عنوان "علي عبدالله صالح.. الانتفاضة: الوداع 2–4 ديسمبر 2017م".
ويمثّل هذا العمل محاولة جادة لفتح ما ظل منسحبًا على الغموض لسنوات، وتقديم قراءة موسّعة لما حملته كلمتا صالح الأخيرتان من دلالات سياسية وشخصية وتاريخية، عبر نصوص موثقة وتحليل يعيد رسم المشهد اليمني في لحظات الانهيار الأكبر للتحالف بين المؤتمر الشعبي العام وميليشيا الحوثيين.
بدأ نعمان كتابه مقدمة تحليلية طويلة توضّح كيف تحولت تلك الأيام القليلة من ديسمبر إلى نقطة انعطاف غير مسبوقة في مسار الحرب اليمنية. فالكلمتان اللتان ألقاهما صالح، واحدة في الثاني من ديسمبر مع اندلاع المواجهات في صنعاء، والأخرى فجر الرابع من الشهر ذاته قبل ساعات قليلة من مقتله، لم تكونا مجرد خطابات عابرة، بل حملتا – كما يصف المؤلف – ما يشبه الوصية السياسية والصرخة الأخيرة لشخص ظل حاضرًا في المشهد اليمني لأكثر من ثلاثة عقود.
ويرى نعمان أن هاتين الكلمتين شكّلتا محاولة من صالح لقراءة الواقع السياسي وتحديد المسؤوليات أمام التاريخ، ولإيضاح الظروف التي قادت إلى لحظة الصدام الحاسمة مع الحوثيين.
ويقدّم الكتاب سردًا تفصيليًا لتحولات صنعاء قبل انفجار الصراع، بدءًا من اقتحام الحوثيين لمجلس صالح ومنازل قيادات المؤتمر، مرورًا بالاشتباكات المتصاعدة التي اجتاحت أحياء العاصمة، ووصولًا إلى دعوة صالح أنصاره للخروج دفاعًا عن الجمهورية وانقاذ الوطن من قبضة الجماعة.
ويعرض المؤلف النص الكامل لكلمة الانتفاضة التي اعتبرها "بيانًا أوليًا" موجّهًا لليمنيين جميعًا وليس لأنصار المؤتمر فقط، حيث تحدّث فيها صالح عن "الممارسات العدوانية" للحوثيين، وانتقد تماديهم في انتهاك الدولة والمؤسسات وفرض القوة المسلحة على الحياة العامة، قبل أن يعلن بشكل واضح أن "الصفحة يجب أن تُطوى، وأن على الجميع فتح صفحة جديدة مع التحالف العربي وضد المشروع الحوثي".
أما كلمة الوداع، التي سجّلها صالح قبل مقتله بساعات قليلة، فيقدّمها نعمان بوصفها اللحظة التي بلغ فيها الصراع أقصى درجاته. ففي هذا الخطاب يتحدث صالح بصوت ثابت رغم الخطر الداهم، ويؤكد أنه "لم يخن اليمن يومًا"، وأنه ظل "عميلًا لهذا الوطن، ولنسائه ورجاله وأطفاله"، في إشارة أراد بها – بحسب قراءة المؤلف – تحرير نفسه من أي اتهامات سياسية، وتأكيد أن موقفه الأخير لم يكن سوى استجابة "لفريضة وطنية" فرضتها الأحداث على الجميع.
ويشير الكتاب إلى أن هذه الكلمة جاءت محمّلة برسائل ضمنية تعكس إدراك صالح لخطورة الموقف، ووعيه بأن اللحظة قد تكون الأخيرة، وأن ما سيحدث بعدها سيتحول إلى فصل جديد في تاريخ اليمن.
ويغوص نعمان في تحليل اللحظات التي أدت إلى انهيار التحالف بين الحوثيين وصالح، موضحًا أن الخلاف لم يكن وليد ساعات ديسمبر الأخيرة، بل نتيجة تراكمات طويلة من عدم الثقة وحيّز القوة ورفض الجماعة لأي شراكة حقيقية في الحكم. ويشير الكاتب في تحليله إلى أن صالح، حتى اللحظة الأخيرة، كان يحاول أن يجد مخرجًا سياسيًا يعيد ترتيب المشهد ويحافظ على قدر من التوازن في صنعاء، إلا أن إصرار الحوثيين على الحسم العسكري أنهى كل الخيارات المتاحة ودفع الأمور إلى نقطة اللاعودة.
ويعرض الكتاب أيضًا جانبًا من الأجواء الإنسانية والنفسية السائدة في تلك اللحظة، موضحًا أن المقر الذي كان يتحصن فيه صالح شهد حركة مكثفة من الرسائل والمناشدات الاتصالية، بعضها كانت لإيقاف القتال، وأخرى كانت لتجنيب المدنيين ويلات المواجهات.
ويرى نعمان أن هذه التفاصيل تؤكد أن صالح لم يكن يستعد لمعركة انتحارية، بل كان يحاول – كما يقول المؤلف – إعادة ترتيب قواعد اللعبة السياسية، لكنّ الديناميكيات العسكرية كانت أسرع من أي تسويات ممكنة.
ويمثل هذا الإصدار أول كتاب يجمع النصوص الأصلية لكلمتي صالح الأخيرتين، ويضعهما في سياق سياسي وعسكري واسع، ليكون مرجعًا مهمًا للباحثين والمهتمين بتاريخ اليمن الحديث. كما يسهم الكتاب في فتح باب النقاش حول أثر تلك اللحظات على مسار الحرب اليمنية، وكيف أعادت تشكيل التحالفات السياسية والعسكرية في السنوات اللاحقة.
وبصدور هذا العمل، تكتمل حلقة كانت ناقصة في سردية ديسمبر 2017، إذ يوفر نعمان من خلاله مادة توثيقية وتحليلية تتيح للقارئ فهم ما جرى في تلك الأيام القاتمة، وكيف تحولت كلمات صالح الأخيرة إلى صفحة أخيرة في مسيرة سياسية امتدت لعقود، وإلى نقطة فارقة أعادت رسم خريطة الحرب والمشهد اليمني برمته.

>
