ابتزاز وتناقض.. سعي حوثي لاستعادة الدعم الدولي لقطاع الصحة عبر أرقام مفزعة
السياسية - منذ ساعة و 50 دقيقة
صنعاء، نيوزيمن، خاص:
في محاولة مكشوفة لاستعادة الدعم الأممي والدولي المتراجع، كثّفت جماعة الحوثي خلال الأيام الماضية من نشر إحصائيات صادمة حول تفشي الأمراض والأوبئة في مناطق سيطرتها، متحدثة عن ملايين الإصابات وآلاف الوفيات، في خطاب يتناقض بشكل لافت مع سياساتها القمعية السابقة تجاه المنظمات الدولية، والتي شملت اتهامها بالجاسوسية والعمالة، واقتحام مقارها، واعتقال موظفيها، وإحالتهم إلى محاكمات صورية في صنعاء.
هذا التناقض يعكس، وفق مراقبين، محاولة حوثية جديدة للضغط والابتزاز السياسي والإنساني على المجتمع الدولي، عبر توظيف معاناة السكان الصحية كورقة تفاوض، في وقت كانت الجماعة نفسها السبب الرئيسي في تعليق أو تقليص برامج الدعم الصحي نتيجة ممارساتها العدائية ضد المنظمات الإنسانية.
ونظّمت وزارة الصحة والبيئة في حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً مؤتمراً صحفياً بمناسبة اليوم العالمي للتأهب والاستعداد للأوبئة، طالبت خلاله المجتمع الدولي بإعادة تمويل القطاع الصحي، مستندة إلى أرقام مرتفعة وصورة قاتمة للوضع الصحي.
وأعلنت الوزارة أن عدد الإصابات بالأمراض السارية بلغ 12 مليوناً و988 ألفاً و378 حالة، فيما تم تسجيل 1,776 حالة وفاة خلال الفترة الممتدة من عام 2024 وحتى الأسبوع الـ45 من عام 2025. كما أقرت بأن أكثر من 20 مليون يمني محرومون من الرعاية الصحية الأساسية، نتيجة النقص الحاد في الكوادر الطبية وهجرة آلاف الأطباء من مناطق سيطرة الجماعة.
البيان الحوثي أقرّ أيضاً بتفاقم أوضاع مرضى الأمراض المزمنة، كمرضى السرطان والفشل الكلوي والسكري، واصفاً حالتهم بـ«الموت البطيء» نتيجة انقطاع العلاجات، في اعتراف غير مسبوق بانهيار المنظومة الصحية، رغم محاولته إلقاء كامل المسؤولية على ما تسميه الجماعة "العدوان".
وبحسب الإحصائيات التي عرضتها الجماعة، فإن 542 منشأة صحية ومركز رعاية أولية خرجت عن الخدمة، منها 165 منشأة دُمرت كلياً و376 جزئياً، إضافة إلى تضرر محطات معالجة الصرف الصحي وخزانات المياه وآبار الشرب، ومنع دخول الوقود، ما تسبب بتوقف خدمات المياه والنظافة العامة، وتعميق الكارثة الصحية والبيئية.
وحذرت الوزارة من أن توقف البرامج الصحية والتغذوية أدى إلى ارتفاع وفيات الأطفال والأمهات، مشيرة إلى أن 630 ألف طفل يمني مهددون بسوء تغذية حاد، بينهم 400 ألف طفل قد يواجهون خطر الموت جوعاً في حال عدم التدخل العاجل.
غير أن مراقبين يرون أن هذه التحركات الحوثية لا يمكن فصلها عن سجل طويل من الانتهاكات التي مارستها الجماعة بحق القطاع الصحي ذاته، والتي أسهمت بشكل مباشر في انهياره، بعيداً عن العوامل الخارجية كما تحاول الميليشيات الحوثية تصويره على وسائل إعلامها.
عاملون في القطاع الصحي يؤكدون أن الفساد وسوء الإدارة والحوثنة الممنهجة للمؤسسات الطبية باتت من أبرز أسباب تدهور الخدمات الصحية في صنعاء وبقية مناطق السيطرة الحوثية. وقد تصاعدت مؤخراً انتقادات حتى من ناشطين موالين للجماعة، طالت قيادات نافذة في وزارة الصحة الحوثية.
الناشط الحوثي المعروف بـ"طه الرزامي" كشف في منشورات موثقة عن انتهاكات وفساد واسع داخل عدد من المنشآت الطبية، مثل "مجمع الصماد الطبي" و"مركز سالم قطن الصحي" و"مركز الرحبي الطبي"، مشيراً إلى قرارات تعسفية بحق الأطباء والعاملين، وصلت إلى الإقصاء الوظيفي والتهميش، ما دفع الكوادر للاحتجاج.
الأخطر من ذلك، وفق الرزامي، اتهام قيادات حوثية بنهب أجهزة ومعدات طبية من مرافق حكومية وبيعها لمصالح شخصية، في وقت يعاني فيه القطاع من نقص حاد في التجهيزات والأدوية. كما سبق اتهام مسؤولين بنقل أدوية غير آمنة إلى صعدة دون تبريد مناسب، وإغراق الأسواق بأدوية منتهية الصلاحية، في انتهاكات تهدد حياة المرضى بشكل مباشر.
تقارير أممية تؤكد أن القطاع الصحي في اليمن انهار فعلياً، مع خروج أكثر من نصف المرافق الصحية عن الخدمة، ونقص حاد في التمويل والكوادر والإمدادات، لا سيما في مناطق سيطرة الحوثيين التي تسجل أعلى معدلات انتشار للأوبئة وسوء التغذية، خصوصاً بين الأطفال والنساء.
ويرى مختصون أن محاولة الحوثيين إعادة تسويق الأزمة الصحية دولياً عبر أرقام مفزعة، دون معالجة أسبابها الحقيقية المتمثلة في الفساد والقمع وعرقلة العمل الإنساني، لن تنجح في إقناع المجتمع الدولي، ما لم تترافق مع ضمانات حقيقية لحماية المنظمات الإنسانية ووقف التدخل في عملها.
ويحذر مراقبون من أن استمرار هذا النهج سيحوّل اليمن إلى بؤرة دائمة للأوبئة، لا تهدد السكان المحليين فحسب، بل تمتد آثارها إلى الإقليم والعالم، في ظل منظومة صحية منهارة تُدار بعقلية أمنية وسياسية لا إنسانية
>
