كلما زادت صنعاء فقرا.. ازدادت مشتريات الحوثيين من السيارات

إقتصاد - Saturday 05 May 2018 الساعة 01:31 am
صنعاء، نيوزيمن، فارس جميل:

صنعاء مظلمة إلا من أضواء السيارات التي تجوب شوارعها، الوقت أول الليل، وأنا عائد من "عصر" المطل على صنعاء من الغرب كحارس بلا مهمة، أوقفني رجل المرور ليسأل عن أوراق السيارة، ابتسمت له وسألته عن تعامله مع السيارات التي لا تحمل لوحات وما أكثرها في شوارع صنعاء مؤخرًا.

قال لي بأن أغلب تلك السيارات تعود للحوثيين الذين اشتروها بفعل الثراء الذي حط عليهم فجأة، "وإذا هم بلا لوحات، قد احنا بلا دولة" كما قال.

خبير اقتصادي في مقيل قات استفاض بالشرح عن الفرق بين ثراء الطفرة والثراء التراكمي الأصيل، وخلاصته أن الاستهلاك للأساسيات حين يرتفع بشكل حاد وعشوائي كما هو حاصل اليوم، فهو مؤشر حدوث طفرة ثراء مفاجئ، لأن الثري انتقائي لم يعد بحاجة للأساسيات، بل لكماليات محددة، بحكم اكتفائه.

تساءل الخبير ووجهه يتحول إلى علامة تعجب كبرى:

لماذا تضاعفت الكميات المستوردة من الاسمنت 3 مرات العام الماضي، ولم تتأثر بالحصار الذي يبررون به انعدام أو غلاء المواد الغذائية والأودية والوقود في الأسواق، أليس لأنهم يبنون بأموالنا عمارات وفللا لقياداتهم؟!!

وقت المغرب كان 3 شباب يستقلون دراجة نارية خارجة من سوق القات، والسائق يردد أهزوجة بكلمات ساخرة وإيقاع شعبي، ورفيقاه يرددان وراءه:

"أبو، وأبو، وأبو، وأبو

بيهنجموا ويضاربوا

سرق، سرق، سرق، سرق

ما عذر من يوم يهربوا"

بسرعة استخدمت الهاتف لتدوين هذه الكلمات، لأنها تعكس المزاج الشعبي العام وتعبر عنه بعيدًا عن مكايدات السياسة وتضليل الإعلام، وذاكرتي تستدعي كلماتهم المشهورة ضد جرعة 2014 وهم ينصبون مصائدهم للسيطرة على صنعاء "شرق، شرق، ثورة على كل السرق".

راكب الباص باتجاه باب اليمن يرتدي ثوبا بنيا وسلاحا كلاشينكوف مرصع بصورة صالح الصماد، يحدث صديقه في المقعد الأمامي عن عودة الحق لأهله من "عيال النبي" بعدما نهبوه منهم من لا يستحقون منه شيئا لأن الولاية حقهم وحدهم، ولا حق لأحد فيها.

"ظلموا وصبروا يا سيدي، وربك نصرهم ورجع حقهم، من كان يصدق!!، هذا تمكين الله وحده" فجأة وهو منهمك في شرح ما حصل من (تمكين) للحوثيين مؤخراً، تلقى اتصالا هاتفيا، رد عليه باهتمام، قبل أن يخفض من صوته، ويقول للمتصل: "معي 70 ألف دولار ما غيرها، أعجبك وإلا بيع لو حصلت أكثر"، وطالب السائق بالتوقف ثم قفز بسرعة إلى الرصيف لإكمال المكالمة.

قال أحد الركاب بعد أن سمع حديثه: "الله يلعنك، 70 ألف دولار وتزاحمنا فوق الباص، أو متنكر يا جيمس بوند؟".

في نقاش آخر ومكان آخر، حيث يطلق اليمنيون لهمومهم وألسنتهم العنان، في مقيل القات العجيب الذي تقلص كثيرا وخفتت أصوات رواده على كل حال، لم يختلف الأمر كثيرا، إلا أن نظرية التمكين هنا كانت لخولان بن عامر على حساب سنحان وخولان الطيال، كما قال رجل من صعدة، وهو يلوم الحاضرين على ضيقهم السريع بالحوثيين، بينما صبروا على سنحان وخولان الطيال 40 سنة، ولا أدري إن كان استخدامه لخولان من باب الجناس اللغوي أو أنه يقصدها فعلا، إلا أنه أكد أن قبائل خولان بن عامر التي تسكن مديريات صعدة معقل الحوثيين، قد وجدوا فرصتهم أخيرا لحكم اليمن بعد حرمانهم من السلطة لقرون.

أوقفني بائع القات عن الإلحاح بطلب ما أريده من القات، وغمز بعينه لأنتظر قليلا:

"والله ما يخارج يا شيخ، لغيرك ما أبيعه بأقل من 50 ألف"

رمى الرجل بــ 37 ألف ريال مقابل كيسين من القات الفاخر وغادر.

"أصحاب صعدة طيبين، ما عرفنا الخير إلا منهم، يخزن باليوم مثل اللي تخزن بها بشهر، يطلب (فذاحة) بعد الصبوح بعشرة ألف، وذلحين قدك أبصرت كم دفع، وأنت مستعجل، خلينا نترزق منه، نعرف نجاملك ونخفض لك قليل".

حينها تبادر إلى ذهني نقاش خولان بن عامر، وفرصتها في الحكم، ومغانم تلك الفرصة.

لكن زبونا آخر وصل والرجل يحكي عن كرم صاحب صعدة، فعلق: أيوه.. يستحقوا حبكم، يسرقونا ويدوها لكم.

"يحشروا أنفسهم في كل شيء، حتى كيف نلبس وايش نسمع، إلا عند الراتب عبدالملك يعمل نفسه ميت، وأصحابه يقولوا مرتزقة لو طالبنا برواتبنا، أكلوا اليمن وصنعاء وأهلها قرود الكهف، أما أصحاب صعدة فهم ضحية مثلنا وحصلوا نصيبهم من الظلم والنهب قبلنا، ما استفاد من الجماعة إلا قليلين الذمة والدين، وما عذر ما يجي لهم يوم أسود".