من الصبيحي إلى أولاد الزعيم... المعتقلون جريمة حرب أخرى لمليشيات الحوثي (2-2)

السياسية - Saturday 29 September 2018 الساعة 09:08 pm
تقرير خاص، نيوزيمن، سمير الصنعاني:

استخدام المعتقلين كدروع بشرية
ولا تقف الانتهاكات التي تمارسها المليشيات الحوثية بحق المعتقلين عند حد إخفاء المعلومات الخاصة بهم، أو ممارسة أنواع من التعذيب الجسدي والنفسي بحقهم، بل تتعداها إلى تعمد استخدامهم كدروع بشرية، كما هو الحال مع المواطنين، وخصوصاً الأطفال والنساء، الذين تكررت حالات احتماء قيادات المليشيات الحوثية بهم واستخدمتهم دروعاً بشرية قبل أن تستثمر أشلاء أجسادهم التي سقطت بغارات للتحالف العربي.

وتعد قضية سقوط قتلى في سجن بالعاصمة صنعاء منتصف ديسمبر من العام 2017م، أبرز صور تعمد المليشيات الحوثية استخدام المعتقلين كدروع بشرية واستثمارهم في الحرب، حيث أدت غارات شنتها مقاتلات التحالف العربي على سجن الأسرى في مديرية شعوب وسط العاصمة صنعاء إلى مقتل أكثر من (36) معتقلا، وإصابة (22) آخرين، وفقدان نحو (51).

وتبين عقب تلك الحادثة أن مليشيات الحوثي تعمدت وضع عدد من المعتقلين الإعلاميين والصحفيين في ذلك السجن إلى جانب معتقلين آخرين، وهو الأمر الذي أدى إلى سقوطهم قتلى في الغارات الجوية.

ورغم اتهام ما يُعرف بـ"رابطة أمهات المختطفين" في اليمن، التحالف العربي الذي تقوده السعودية بقصف المبنى، إلا أنها أكدت أن مليشيات الحوثي اختطفت العشرات من الناس واحتجزت أكثر من 200 مواطن ووضعتهم في أماكن معرضة لقصف الطيران".

واتهمت الرابطة المليشيات الحوثية بأنها تتعمد وضع المعتقلين دروعاً بشرية، كما قامت بذلك في أوقات سابقة.

وسارعت مليشيات الحوثية إلى استثمار تلك الحادثة سياسياً حيث زعمت أن معظم الضحايا ينتمون لحزب الإصلاح (الإخوان المسلمين في اليمن) وأنهم سقطوا قتلى في تلك الغارات دون تحديد أسمائهم، الأمر الذي اعتبره المراقبون بأنه سعي من قبل المليشيات لاستخدام الحادثة في تصفية معتقلين ينتمون لحزب الإصلاح والزعم بأنهم كانوا ضمن ضحايا تلك الغارات.

ونقل موقع المراسل نت التابع للمليشيا الحوثية يومها عن مصدر مطلع في صنعاء القول، إن معظم ضحايا القصف من أسرى حزب الإصلاح الإخواني.

اعتقالات بدون تهم وتفجير منازل

وخلافاً لكل النصوص التي تضمنتها الشرائع السماوية والنصوص الدستورية والقانونية في اليمن، أو المواثيق والقوانين الإنسانية الدولية التي تمنع اعتقال أي شخص دون أمر قضائي، وتجرم احتجازه لأكثر من 24 ساعة دون توجيه أية تهمة إليه أو إحالته إلى النيابة، تمارس المليشيات الحوثية انتهاكات جسيمة بحق كل معارضيها، حيث تقوم باعتقال المواطنين من مختلف الشرائح الاجتماعية الذين يعلنون مواقف معارضة لها بدون أية أوامر قضائية، وبدون توجيه أي اتهامات لهم.

وانتهاكاً لكل الإجراءات التي ينص عليها دستور الجمهورية اليمنية والقوانين المتعلقة بالاعتقال والاحتجاز، فإن مليشيات الحوثي تتعمد احتجاز المعتقلين في السجون دون أن توجه إليهم اية تهمة، ودون أن تحيلهم إلى النيابة والقضاء لمحاكمتهم كما تنص على ذلك القوانين، حتى إن كثيرا من المعتقلين مر على احتجازهم لدى المليشيات شهور وسنوات دون أن توجه إليهم أي اتهامات.

وخلافاً لكل الأساليب والطرق التي تتبعها الأجهزة الأمنية التابعة للدول، أو الأجهزة الأمنية التابعة للمليشيات المسلحة التي تسيطر على الحكم في عمليات الاعتقالات خارج إطار القوانين والمواثيق التي تكفل للمعتقل حقوقا لا يجب انتهاكها فان مليشيات الحوثي تكاد تتميز بانتهاك جسيم يتمثل في قيامها بتفجير منازل من تعتقلهم من معارضيها بشكل متعمد، الأمر الذي يمثل انتهاكا ليس بحق المعتقل فقط، بل وفي حق أسرته التي تجد نفسها في العراء ودون مأوى جراء تفجير المليشيات لمنزلها.

وشهدت محافظات صنعاء وحجة والمحويت واب ومارب وتعز إقدام مليشيات الحوثي على تفجير منازل عدد من القيادات السياسية والبرلمانية والمحلية والمشائخ والشخصيات الاجتماعية والمعارضين لها قبل ان تقتلهم أو تقوم باعتقالهم.

اعتقال لتصفية حسابات وممارسة ابتزاز

وتتصاعد الانتهاكات التي تمارسها مليشيات الحوثي فيما يتعلق بملف الاعتقال من خلال استخدامها كوسيلة لممارسة عملية ابتزاز مالي أو لتصفية حسابات سياسية أو تجارية أو قبلية.

أبو صالح -كما طلب ان نسميه- وهو أحد مواطني محافظة المحويت قال ل"نيوزيمن"، إن مليشيات الحوثي اعتقلت ابنه البالغ من العمر 28 عاما بعد ان رفض الانخراط في صفوف مليشياتهم للقتال بدون اية تهمة، مضيفا: وعلى مدى عام كامل وأنا اذهب من قيادي حوثي الى آخر، قبل أن يتوسط لي احد أعضاء مجلس النواب الذي له علاقات مع قيادات المليشيات لتنتهي الوساطة بالإفراج عن ابني مقابل دفع مبلغ مليون ريال لهم.

وحولت مليشيات الحوثي قضية الاعتقالات إلى وسيلة لممارسة عملية ابتزاز وفساد مالي غير معهودة في اليمن، حيث تجني قيادات المليشيات ملايين الريالات مقابل الإفراج عن محتجزين اعتقلوا دون أية تهمة.

هذا الانتهاك الذي يمثل جريمة حرب وثقته منظمة «هيومن رايتس ووتش» المعنية بحقوق الانسان والتي قالت في تقرير لها إنها وثقت 16 حالة احتجز فيها الحوثيون أشخاصاً بطريقة غير قانونية، غالباً لإجبار أقاربهم على دفع المال، أو لمبادلتهم مع محتجزين لدى قوات معادية.

وأكدت المنظمة أن احتجاز الرهائن انتهاك خطير لقوانين الحرب، وجريمة حرب، داعية مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة، إلى التحقيق بشأن المسؤولين الحوثيين عن الانتهاكات، وتحديدهم.

ووثقت المنظمة شهادة زوجة عن اختطاف الميليشيات الحوثية لزوجها أواخر عام 2015، وقيام عناصرها بإخفائه، ذكرت فيها أنها لم تعرف في البداية أنه موقوف، حيث بحثت عنه وأسرتها في كل مكان، بما في ذلك المستشفيات ومراكز الشرطة، قبل أن تعرف أنه معتقل لدى جهاز مخابرات الجماعة.

وكشفت الزوجة أنها كانت تتابع على مدار 5 أشهر للإفراج عن زوجها مع وسطاء حوثيين كانت تدفع لهم الأموال، وكانوا يعدونها بحلول، لكن بلا نتيجة. وأضافت أنها تكلمت مع كثير من قادة الحوثيين، وكانوا يقولون «إنهم سيقومون بهذا أو ذاك»، دون أن يفعلوا شيئاً.

وأكدت الزوجة أنها دفعت للمسؤولين الحوثيين 1.5 مليون ريال (الدولار يساوي نحو 600 ريال) خلال 3 سنوات، إلا أن زوجها لا يزال محتجزاً لدى الميليشيات.

وأوردت المنظمة، في تقريرها، شهادات عن تربح الحوثيين من المعتقلين، وعن سوء أوضاع ظروف الاعتقال، لدرجة «تورط بعضهم على بعض».

وقال طبيب إنه اختطف في منتصف عام 2016 على أيدي رجال مسلحين من مستشفى في مدينة الحديدة الواقعة على البحر الأحمر حيث يعمل هناك، واتهم بالعمل لصالح الجهات المعادية للحوثي ، لأنه كان يعالج سجينًا مصابًا بأعيرة نارية بعد أن تركه الحوثيون غارقاً في جراحه على قارعة الطريق.

الطبيب أخبر هيومن رايتس ووتش أن الحراس ضربوه بقضبان حديدية على باطن قدميه وركلوه في وجهه في أول يوم له في الحجز. وفي الثانية، قاموا بتعليقه على ذراعيه، وبدأوا في إزالة أظافره بكماشة، وتم نقله عقب ذلك الى منشأة أخرى، حيث كبل بالأغلال إلى الحائط لعدة أيام، كما تعرض لصدمات كهربية عديدة وللضرب المبرح.
الطبيب قال إن المليشيات أفرجت عنه لاحقاً بعد 15 شهراً من التعذيب المتواصل، وبعد أن دفعت أسرته مبلغ 3 ملايين ريال.

شاهد آخر، وهو معلم في مدينة الحديدة حكى للمنظمة انه قبع في زنازين الحوثيين لمدة ثلاث سنوات، قبل أن تدفع عائلته مبلغ 10 ملايين ريال لإطلاق سراحه، في حين قال محتجز آخر من العاصمة صنعاء أن الحوثيين أطلقوا سراحه مقابل دفع مليون ريال.

وبالإضافة إلى ذلك يؤكد معتقلون سابقون لدى مليشيات الحوثي انه تم اعتقالهم بناء على معلومات ساقها خصوم لهم أصبحوا مشرفين أو مقاتلين في صفوف المليشيات الحوثية ويستخدمون نفوذهم لممارسة عملية إيذاء بحق خصومهم أو منافسيهم.

وقال محمد -وهو تاجر مواد غذائية بالجملة- ومعتقل سابق لدى مليشيات الحوثي ل"نيوزيمن"، إنه اعتقل لمدة أكثر من ثلاثة أشهر قبل أن يكتشف أن سبب اعتقاله هو وشاية من منافس تجاري له استغل قرابته من أحد مشرفي مليشيات الحوثي ليبلغ عنه بأنه مؤيد للعدوان قبل أن يتم الإفراج عنه بعد وساطة من قبل قيادي حوثي آخر نظير مقابل من المال.

وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات لبعض الناشطين الذين أشاروا إلى أن كثيرا من قيادات المليشيات الحوثية اعتقلوا أناسا بوشايات من قبل بعض المختلفين معهم سواء في إطار الوظيفة العامة في الدولة أو بسبب خلافات على أراضٍ، أو خلافات لها علاقة بالمركز الاجتماعي.

التخابر والعمالة.. شماعة لانتهاكات المليشيات

على مدى ثلاث سنوات ونصف وجدت مليشيات الحوثي من مزاعم التخابر والعمالة شماعة تتخذها مبررا لممارسة انتهاكات جسيمة بحق الكثير من المعارضين لها، سيما من القيادات السياسية والإعلاميين والصحفيين.

وتمثل قضية الصحفي عبدالرقيب الجبيحي، الذي اعتقلته المليشيات ثم قدمته الى المحاكمة وأصدرت بحقه حكما بالإعدام، قبل ان يتم الإفراج عنه بموجب عفو أصدره زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي دون أي سند دستوري أو قانوني يمنحه هذا الحق، إحدى أبرز الأدلة على ما تمارسه المليشيات من انتهاكات بحق الصحفيين والمعارضين لها.

وفي النصف الأول من الشهر الجاري بدأت مليشيات الحوثي جلسات تحقيق ومحاكمة لاربعة من الصحفيين الذين اختطفتهم واعتقلتهم المليشيات منذ العام 2015م.

ودانت نقابة الصحفيين اليمنيين محاكمة هؤلاء الصحفيين الذين تعرضوا خلال هذه الفترة للتعذيب والحرمان من العلاج والزيارات لفترات طويلة.

وذكرت النقابة، في بيان صحافي، أن المليشيا الحوثية وجهت تهما باطلة بحق الزملاء (عصام بلغيث وتوفيق المنصوري وصلاح القاعدي وهيثم الشهاب)، في ظل ظروف لا تتوفر فيها أدنى مستويات العدالة.. مجددة مطالبتها المتكررة بسرعة الإفراج عن الصحفيين المختطفين وإعادة الاعتبار لهم.

ودعت النقابة المنظمات والاتحادات المحلية والعربية والدولية المعنية بحرية الرأي والتعبير وفِي مقدمتها اتحاد الصحفيين العرب والاتحاد الدولي للصحفيين للتضامن مع الصحفيين المختطفين ومواصلة الجهود للإفراج عن الزملاء وإيقاف مسلسل الانتهاكات التي يتعرضون لها.

وعلى غرار تلك الانتهاكات تواصل مليشيات الحوثي احتجاز نحو 15 من قيادات المؤتمر الشعبي العام الذين اعتقلتهم قبل نحو ستة أشهر رافضة الإفراج عنهم أو تحويلهم إلى القضاء، وهو ما يؤكد تعمد المليشيات تلفيق تهم كيدية لكل النشطاء والمعارضين لها مستخدمة شماعة التخابر والعمالة للخارج لممارسة القمع والانتهاكات للحقوق والحريات التي يكفلها الدستور والقوانين للناس.

ويجمع المراقبون والمهتمون بحقوق الإنسان على أن ممارسات المليشيات الحوثية والانتهاكات التي ترتكبها بحق المعتقلين منذ العام 2014م، ولاتزال، تعد انتهاكات وجرائم غير مسبوقة لم تشهدها اليمن على مدى نصف قرن، وتمثل جرائم حرب تستوجب محاكمة قياداتها والمسؤولين عنها.

من الصبيحي إلى أولاد الزعيم... المعتقلون جريمة حرب أخرى لمليشيات الحوثي (1-2)