ما مصير حشود الحوثي الضخمة إلى الحديدة؟

السياسية - Friday 09 November 2018 الساعة 09:20 pm
الحديدة، نيوزيمن، سياف الغرباني:

لم يكن زعيم المتمردين الحوثيين، عبد الملك الحوثي، يتوقع أن رمال تهامة ستصبح ثقباً أسودَ لحشود المقاتلين والمعدات التي يدحرجها بلا توقف، من مناطق شمال الشمال والوسط والشرق، حيث صعدة وحجة وعمران وصنعاء وذمار، لتلقى حتفها على الضفة الشرقية للبحر الأحمر.

إلى ما قبل تحرير مدينة الخوخة، المفتاح الشمالي للحديدة، كانت قيادات الحوثيين ترسل إشارات، من وقت لآخر، باستحالة تقويض سيطرتها القسرية، على المحافظة الاستراتيجية أو جزء منها، بيد أن الأمر تغير كثيراً في غضون ضربة الخوخة المميتة.

ومنذ اللحظات التالية لإعلان القوات المشتركة السيطرة على الخوخة، استنفرت جماعة الحوثيين، لتعزيز خطوط دفاعاتها في الشريط الساحلي، ومناطق جنوب الحديدة، ودفعت بالجزء الأكبر من قوتها العسكرية والبشرية إلى هذه المساحة الملتهبة، التي يقع فيها أهم ميناء تتنفس منه المال والسلاح.

وقد بلغ التحشيد الحوثي للمقاتلين ذروته، في مناطق صنعاء وذمار وعمران وصعدة وحجة والمحويت وريمة، في خضم إعداد العميد طارق محمد صالح، نجل شقيق الرئيس السابق، لألوية المقاومة الوطنية، بدعم من قوات التحالف العربي، تمهيداً للدخول على خط المعركة من بوابة الساحل الغربي.

بيد أن منسوب التحشيد العسكري لدى الحوثيين، بلغ مديات عليا، مع وصول تشكيلات "حراس الجمهورية" إلى مدينة المخا الساحلية، وإطلاق صافرة البداية لأولى جولات المواجهة مع الحوثيين في جبال البرح غربي تعز.

في تلك الأثناء، خاضت قيادات الصف الأول للحوثيين مارثون تحشيد للمقاتلين لم يستثنِ منطقة ولا قبيلة على طول النطاق الجغرافي الواقع تحت نفوذ الجماعة، بل امتد لاحقاً إلى مدارس التعليم ومراكز الرعاية الاجتماعية بما فيها تلك الخاصة بالأيتام في صنعاء.

واضطر الحوثيون لاستخدام المال الفاسد، في جذب شيوخ القُبل خاصة في محيط صنعاء، لتوظيف نفوذهم في سياق عمليات التجنيد المفتوحة إلى صفوف الجماعة، وحشد أكبر قدر ممكن من الضحايا وزجهم في أتون محرقة الساحل الغربي.

وبموازاة ذلك، شرعت أبواب ونوافذ الكليات والمعاهد العسكرية والأمنية الحكومية في صنعاء أمام خريجي الثانوية العامة، بحيث أتاحت القبول خارج القوانين الناظمة لعملية الالتحاق بهذه الكليات، على مدار العام.

مع الإشارة هنا إلى أن الحوثيين استخدموا الكليات العسكرية والأمنية في سياق خطة تحشيد المسلحين إلى الحديدة، فالعملية لا تتجاوز خدعة لاستدراج ضحايا جدد، وإلقائهم إلى محرقة كبيرة.

ومقابل ما يبدو استنزافاً حوثياً للمخزون البشري في غير منطقة يمنية، برزت استفسارات طارئة حيال مصير الحشود العسكرية التي تساق بشكل يومي إلى الحديدة، منذ أشهر؟

أما الإجابة فبسيطة ولا تستدعي الكثير من الجهد، وبمقدور طفل لا تجربة سياسية له تلخيصها بكلمات محدودة: "ابتلعها ثقب الساحل".

الحديدة.. مشنقة عملاقة

لوهلة، بدت معركة الساحلي الغربي، بنظر كثير من المتابعين، عملية استنزاف للحوثيين بدرجة رئيسة، وقد استفادت القوات المشتركة من الطبيعة الجغرافية المكشوفة بشكل عام، لجعلها مصيدة كبيرة لمعدات الحوثي ومقاتليه وقياداته.

وفي هذه المساحة الجغرافية بالغة الأهمية في الحسابات العسكرية أولاً، والاقتصادية والسياسية ثانياً، خسر الحوثي عدداً كبيراً من أهم قيادات الصف الأول على المستويين العسكري والتنظيمي، بمن فيهم الرجل الأول في دولة صنعاء، صالح الصماد الذي قضى بضربة جوية في مدينة الحديدة.

مع الإشارة إلى أن صالح الصماد، واحد من قائمة طويلة لقيادات حوثية قضت في الساحل الغربي، بعضها كانت تمثل أهمية لحركة الحوثيين تفوق تلك التي كان يشكلها الصماد.

وقد بلغ النزيف الحوثي مستويات عليا في الحديدة، الآونة الأخيرة، وتلقي الجماعة لضربات عسكرية قاصمة فقدت على إثرها قيادات ميدانية من الصف الأول، من ضمنها العميد ياسر الأحمر، المعين من جانب الميليشيا في منصب قائد اللواء 35 مدرع، الذي قُتل مع عدد من مرافقيه، بضربة جوية، بيد أن الاستنزاف ارتفع بصورة حادة مع بلوغ المعارك إلى محيط وداخل المدينة.

ويستميت الحوثيون في الدفاع عن وجودهم العسكري في الحديدة، رغم الثمن الباهظ الذي يدفعونه من عناصرهم يومياً، نسبة لما تتمتع به من أهمية في حسابات الحوثيين العسكرية والاقتصادية، ذلك أن الحديدة تمثل حبلاً سرياً يغذي قيادات الجماعة في المركز بمليارات الريالات إلى جانب أنها تعد شرياناً مهماً لتدفق الأسلحة عن طريق التهريب.

على أن عملية الاستنزاف لم تتوقف عند المخزون البشري للحوثيين، بقدر ما تجاوزت ذلك إلى ترسانة التسليح بما فيها الآليات والمعدات الحربية الثقيلة والمتوسطة، ومنظومة الصواريخ الباليستية التي استولت عليها الجماعة من مخازن الجيش اليمني، أو حصلت عليها من جهات خارجية.

وقد كشفت تسجيلات مصورة، عثر عليها داخل حقيبة الإعلام الحربي للحوثيين، اعترافات مقاتلين حوثيين بنزيف حاد في صفوف الجماعة في الساحل الغربي، فيما قال أحدهم إنهم يتعرضون لخسائر هي الأكبر على مستوى باقي جبهات المواجهة.

وتؤكد الوقائع على الأرض ما ذهب إليه مقاتلو الحوثي في التسجيلات الحوثية، بشأن أن المقاومة المشتركة تقضي على تعزيزاتهم في مشنقة الحديدة وتهامة، بصمت يبعث الرعب في أوصالهم.

وتشير الإحصاءات إلى أن الحوثيين يتعرضون لأكبر عملية استنزاف يومية في القوى البشرية والعتاد بالحديدة، الأمر الذي يجعل الحصيلة الشهرية لضحاياهم تتصدر ما سواها في باقي المناطق الأخرى مجتمعة.

وبحسب مراقبين، فإن لهذا الاستنزاف دلالة واضحة على صلابة تشكيلات المقاومة المشتركة في الإجهاز على حشود الحوثي الضخمة، كما يؤشر إلى فاعلية العمليات الجوية لطائرات التحالف العربي، في محور الحديدة.

وأمام الكلفة الباهظة التي تدفعها يومياً، تسلك جماعة الحوثي أساليب انتحارية، تحت ضغط تآكل خارطة السيطرة الميدانية، على وقع التقدم الضارب للمقاومة المشتركة، مما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى في صفوفهم بشكل كبير.