مقاتلو التحرير حركوا دولاب العالم.. معركة الحديدة تستكمل "تعرية" الحوثيين

السياسية - Tuesday 13 November 2018 الساعة 10:01 pm
عدن، نيوزيمن، أمين الوائلي:

استنفار عالمي على وقع أقدام جنود تحرير الحديدة.. 
حرب تحرير الحديدة هي جزء من حرب فرضها الانقلابيون الحوثيون على اليمنيين. ومعركة الحديدة تنجز مسئولياتها في قلب معركة اليمن والإقليم. قوات تحرير الحديدة حركت العالم من حولها، هذه معركة هي الأولى من نوعها تضع مصير العصابة ومموليها وداعميها في مهب الريح.

التغول الحوثي المدعوم إيرانياً كان يحدث على مرأى من عالم غربي عادت بريطانيا فيه الآن تقود جهوداً وتمارس ضغوطاً لمنع جهود المقاتلين اليمنيين من مراكمة مكاسب جولات الحرب العكسية لتخليص اليمن من أيدي قتلة مأجورين فرضوا بالقوة الغاشمة القاتلة سيطرتهم على البلاد، وقوضوا الدولة والمؤسسات، وتسببوا بأكبر أزمة إنسانية تشهدها اليمن.

في قلب المعركة

استنفرت بريطانيا أدواتها السياسية والدبلوماسية، بشكل غير مسبوق، مع دنو معركة تحرير الحديدة من قلب المدينة الساحلية واقتراب القوات المشتركة من الميناء الاستراتيجي. في الحقيقة أن هذا لم يكن مفاجئاً بالنظر إلى مقدمات وخلفيات واكبناها والإعلام أجمع، خلال الأشهر القليلة الماضية، وحتى ما قبل مطلع نوفمبر الجاري، وموعد إطلاق معركة تخليص الحديدة.

تمارس الإدارة البريطانية دوراً مزدوجاً بشأن الحوثيين عبر منصتين: رسمية وأممية. يتصدى وزير الخارجية البريطاني جيرمي هنت لمسئوليات وتحركات الجبهة الأولى. ويتولى الأخيرة مارتن غريفيث بمعية الممثلية البريطانية بالمنظمة الدولية.

جولات غريفيث المكوكية إلى صنعاء ولقاءاته بقيادات العصابة الانقلابية والمليشيا الحوثية طورت لديه خطة تقوم على تبني الجماعة واحتواء المخاطر المحدقة بها مقابل تعاطيها المرن مع مجهوداته الأممية من جهة والاستراتيجية البريطانية الرسمية (الراعي البريطاني) من جهة ثانية، والتي تكفلت بتوفير حامل دولي لشروط ومصالح الجماعة وفرضها أمام الأطراف الأخرى بقوة "حامل قلم" وراسم توجهات المجتمع الدولي بشأن الملف اليمني.

جزء مهم من خلفية التطورات والتحركات يفسر المراهنة الحوثية المعقودة منذ البداية على دور الراعي البريطاني في منع أو تحجيم عمل عسكري كبير بصدد اقتلاع عصابة الأجندة الإيرانية المتقاطعة مع حسابات ومصالح غربية تلبستها السياسة البريطانية بصورة أوضح.

مدحرجو دولاب التحرير

في واقع الأمر ليست بريطانيا ولا الحوثيون من فرض هذه المعادلة الطارئة ووضع عواصم ومراكز صناعة القرار الدولي أمام خيارات قليلة وتنحصر يومياً لصالح خيار واحد يدحرج دولابه مقاتلو التحرير في شوارع وأحياء مدينة الحديدة باتجاه الميناء ونقطة العبور الوحيدة المتبقية أمام المليشيات باتجاه الشمال للإفلات من الأسر أو القتل.

العمليات العسكرية الناجزة على الأرض باغتت الحوثيين تماماً، رغم الاستعدادات والإعدادات الهائلة التي وفرتها لمعركة مشابهة. المقاتلون اليمنيون اكتسحوا المليشيات في مساحات ومربعات واسعة وطوقوا مقاتليها الذين باتوا ضحية للإنهاك اليومي والاستنزاف المتواصل في مواجهة قوات فتية ومندفعة لا تنقصها الخبرة والحنكة ولا الدافعية المفقودة غالباً في الجهة المقابلة ولدى الحوثيين.

"التعري" على المكشوف

من نتائج معركة التحرير المهمة كانت تعري المليشيات الحوثية وانكشاف شعاراتها الزائفة والمضللة، وانفتاحها العلني على الراعي الغربي والتاج البريطاني، ومسارعتها إلى الاستنجاد بالعدو الوهمي والرب الفعلي لجماعة سرطانية لطالما أتقنت السياسة البريطانية تبني أمثالها كأدوات رخيصة ضمانة لاستمرارية مصالح وفاعلية بريطانيا في المنطقة.

وحيث باتت المعركة في قلب المعركة الكبيرة مع الحوثيين وداعميهم وفي قلب الحديدة، يصعب بل يستحيل التراجع الآن عن هدف أنجز أكثر من نصفه أو يزيد ولم يتبق إلا القليل لإنهاء جولة مهمة مع الانقلابيين.. في أهم جبهة حتى الآن تخنقهم على البحر وتدفعهم إلى التحصن قصياً في معاقل جبلية محصورة.

مسارعة بريطانيا إلى تبني مخارج وترتيبات، انكشفت على تهالك حوثي مقرف حد الارتماء بين أقدام البريطانيين والأمريكيين، وبذل العروض والالتزامات عليهم في سبيل منع أو إرجاء اقتلاعهم من الحديدة - بما هي أكبر وأهم ضربة موجعة في مقتل المليشيات الغارقة في نشوة الدم والتسلط والانتهاكات والإرهاب اليومي بحماية من صمت وتغافل ونفاق السياسة الغربية والمنظمة الدولية.

لم تستطع بريطانيا، حتى الآن، إقناع أحد بجدوى منح فرص جديدة وامتحان المليشيات، لكنها أيضاً تحاول ذلك بافتراض أنها في موقع يخولها التلويح بالإجراء الدولي بطريقة أو بأخرى. وحتى هنا فإن لندن تجازف بالكثير من مصالحها وعلاقاتها الكبيرة مع السعودية والإمارات والخليج ومع اليمن أيضاً. لكن الدبلوماسية تقتضي دائماً المرونة وإلزام الحجة. وأياً كانت الحسابات فإن كل شيء يتوقف على فرض إرادة اليمنيين وحقهم في استرجاع بلادهم من عصابة مليشياوية.

في الزاوية الضيقة

ومع التعلق بأذيال البريطانيين والأمريكيين في مواجهة المصير المرئي على مرمى بصر من كتائب قوات التحرير الزاحفة في الحديدة، لجأت المليشيات إلى خيار أخير ويائس أيضاً، وهو التهديد بتفجير ميناء الحديدة المدني، ونسفه من الأساسات، وإعادته إلى الصفر، كما تقيحها حسن زيد علناً. هذه اللغة ليست مستغربة من عصابة مسكونة بعقيدة التفجير والهدم والنسف والتدمير والقتل.

لكنها هنا، وفي التوقيت المحدد، تعني الكثير لجهة مآلات المعركة الناشبة وحرب التحرير المتأهبة لاستكمال عملها، وتعني أن العصابة تنكشف أكثر فأكثر عن عصابة همجية لا أكثر. تحسس النهاية الحتمية يدفعهم إلى شغب لا طائل منه، كما دفعهم إلى استجداء حماية من يزعقون ليل نهار بصرخة معاداتهم زيفاً وتقية وباطنية مقيتة.

لم يعد أمام قيادي حوثي مفاوض مثل عبدالملك العجري في مقامه بالغرب إلا الاستشهاد أخيراً بافتتاحية أخيرة للواشنطن بوست تحرض على حماية الحوثيين بمنع التعاون مع السعوديين والإماراتيين!

هؤلاء هم الحوثيون الذين يصرخون بموت أمريكا ويستغيثون برب أمريكي، فيما يوزعون ويزرعون الموت في قرى ومدن وبلدات اليمن طولاً وعرضاً. تنشر واشنطن بوست لمحمد الحوثي مجرم الحرب المدان بتقرير أممي صادر في 2018.

هذا لا يعني شيئاً أمام تجارة العصابات العابرة لحدود المبادئ والأهداف الإنسانية. سمسرة كبيرة الحوثيون فيها مجرد أداة مرحلية تستخدم في أغراض وسخة.

عرض مرفوض

وبصدد ما تصفه الخارجية البريطانية، إجراءات معينة لتفعيل دور مجلس الأمن في حل الأزمة اليمنية، تبقى الحديدة معركة محسومة سلفاً وغير قابلة للنقاش أو المفاوضة عليها.

يعرض البريطانيون باسم الحوثيين تسليم الميناء وإدارته مدنياً وعسكرياً مقابل الإبقاء عليهم في المدينة. لم يعد هذا العرض إلا مجرد هراء كبير أمام حقيقة أنهم يواجهون بالفعل الإرغام على التسليم أو الاستسلام.

لا يمكن منحهم أكثر مما يمنحهم الجنود الآن في خطوط التماس مع النسق الأخير قبيل الإمساك بالميناء وإعلان الحديدة محررة. الرضوخ لوصاية بريطانية أو غربية من أي نوع هو خيار مستبعد تماماً في حسابات المقاتلين الذين يتحسسون الدماء الطرية لرفاقهم لم تبرد بعد على طرقات وجدران الدروب السالكة إلى موعد مع التحرير.